"الورود والدروع وحدها لا تكفي"

شهد هذا الشهر العديد من الأعياد المتعلقة بالمرأة، فقد احتفلنا خلاله باليوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس، ثم يوم المرأة المصرية في 16 مارس، وتلاهما الاحتفال بعيد الأم في يوم 21 من نفس الشهر؛ فكانت أجواء الشهر احتفالية إلى حد كبير، حيث قامت العديد من الجهات بتكريم النماذج النسائية الناجحة والمكافحة خلال اليوم العالمي والمحلي للمرأة، كما قُدمت العديد من الجوائز للأمهات الفائزات بمسابقات الأم المثالية بكافة أنحاء المحافظة، وجاء على رأس هذه التكريمات للأمهات المصرية إحتفال الرئاسة بعدد من الأمهات المثاليات، حيث استقبلهن السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي بقصر الاتحادية، يوم الأحد الماضي، لتكريمهن والاستماع إلى قصصهن ومشاكلهن على مدار ساعتين ونصف في سابقة هي الأولى من نوعها، حيث كان يتم الإكتفاء في كل عام على تكريم الأمهات المثاليات من قِبل الوزارات أو الجمعيات الأهلية أو الوسائل الإعلامية فقط، كما أكد الرئيس في هذا اللقاء على ضرورة العمل على تحسين ظروف أمهات مصر المُعيلات.


وهذه هي الهدية الحقيقية التي أؤمن أن المرأة المصرية تحتاجها حقاً، فنعم الدروع وشهادات التقدير ورحلات العمرة تُفرح قلوب النساء المصريات البسيطات الراضيات، ولكن ما تحتاجه المرأة المصرية حقاً، سواء امرأة عادية أو زوجة أو أم أو عاملة أو حتى الطفلة التي ستصبح امرأة المستقبل، كلهن يحتجن إلى أن تكون جائزتهن أو هديتهن في أعيادهن هي "التمكين الشامل لهن".

من أمنياتي كإمرأة في هذا العام أن تكون أفكار الاحتفال بنا كنساء خارج الصندوق، وأن نتخطى مسألة تقديم الورود والشو الإعلامي وأن نبدأ نفكر فيما تحتاجه هذه المرأة حقاً لتكون هذه هي الاحتفالية الفعليه. فعلى سبيل المثال من ضمن الأفكار التي أعجبتني هذا العام فكرة مبادرة المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي، التي أعلنت تواجدها في العديد من الأماكن العامة طوال شهر مارس لنشر الوعي بصحة الثدي، والوصول إلى كافة قطاعات المجتمع لتقديم هدية مجانية أشعة الثدي "ماموجرام" لكل سيدة فوق 40 عام.

فلماذا لا يكون هدف المشرعين للعام القادم أن يقوموا خلال يوم المرأة المصرية بإصدار قانون جديد يضمن لها حقها في التمكين الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي؟! .. أو أن تتخلى الحكومة في خطتها للاحتفال بعيد الأم هذا العام أو حتى العام المقبل عن شكها في التعامل مع الجمعيات الأهلية التي تتعامل مع المرأة بالذات، حيث للأسف هناك شكوك من جانب الحكومات منذ فترة نحو الجمعيات الأهلية وتتهمها بالتخوين وتلقي التمويلات المشبوهة، وصارت الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني تواجه صعوبة في الموافقات الأمنية وموافقات وزارة التضامن الاجتماعي على التمويلات التي تأتي للجمعيات الأهلية، على الرغم من أن الجمعيات الأهلية أغلبها جمعيات مشهرة ولها باع وخبرة في مجال تنمية المجتمع بمختلف فئاته، ومن ضمنها المرأة، والجمعيات الأهلية التي تطلب الموافقات تكون غالباً جمعيات تعمل وتبني وتنشد تنمية البلد ونهوضها، أما تلك الجمعيات ذات الأغراض الدنيئة التي تريد أن تخرب في البلاد لها طرقها الملتوية في الحصول على تمويلات مشبوهة تحقق أغراضها تلك، وغالباً لن تتوجه للطرق الرسمية والإجراءات القانونية لتطلب من الحكومة الموافقة على تمويلاتها المشبوهة، فهي لن تقوم بنفسها بتنبيه الحكومة لمصادر تمويلها. أما الجمعيات الأهلية التي تعمل لخدمة المواطنين تتوجه للجهات الرسمية لأنها مؤمنة بسيادة القانون وأهمية الرقابة الحكومية، كما أنها تفتح باب رزق لعدد كبير من العاملين في هذه الجمعيات بمختلف الوظائف، وهكذا فهي تخدم الملايين بالمجتمع المصري سواء بإمدادهم بتنمية مهاراتهم أو بتوفير فرص عمل أو غيرها.

إنني عندما قرأت حادثة الطفلة التي قام مدرس بحلق شعرها الخميس الماضي في الفيوم لعدم إرتدائها للحجاب، فكرت لماذا لا يصدر ونحن في شهر المرأة قانون يحمي هذه الطفلة البريئة وغيرها من العنف الذي يقع ضدهن؟ .. فهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة طالما أن الأمر لا يتعدى غالباً الإيقاف عن العمل لفترة! .. وبخلاف القانون لماذا لا يتم تنقية المناهج التعليمية من المواد التي تكرس للتمييز ضد المرأة وتهميشها؟!

تذكرت أيضاً العديد من ضحايا القصور في تطبيق القوانين المتعلقة بالمرأة أو في النصوص الموجودة ولكنها تحتاج التعديل، مثل قوانين الأحوال الشخصية أو العمل أو غيرها، لماذا لا تكون هديتهن هذا العام أن يكون هناك تفعيل كامل وشامل لمواد الدستور الخاصة بالوظائف العامة ورفع كافة أشكال التمييز ضد النساء في العمل؟

أتمنى أن يأتي اليوم العالمي للمرأة في العام المقبل وهناك امرأة مصرية تتقلد منصب "محافظة"، لم لا؟! ..طالما المرأة المصرية ذات كفاءة ولديها دراية وإلمام بكافة الأمور المتعلقة بكل المجالات، أمنيتي في عيدنا أن تكون المرأة المصرية آمنة في الطرقات وفي عملها وجامعتها ومدرستها، وأن تكون مستقلة مادياً ومعنوياً، ومتمكنة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وتعليمياً، وصوتها مسموع، وأن تكون ممثلة بشكل منصف في مختلف المناصب والجهات، فزيادة تمثيل المرأة بشكل أكبر يليق ويتلاءم مع مكانتها وقيمتها كصانعة ثورات وصاحبة نضال طويل وهذا أمر هام في هذه المرحلة النوعية التي تشهدها مصر ..أرجوكم لا تكتفوا بتقديم الورود فقط لها.

ما أتمناه للمرأة المصرية والمجتمع المصري هو أن تتحسن ظروف المرأة ووضعها، لكي يكون لدينا أسرة صحية وسليمة، بحيث يكون مجتمعنا المصري صحي ومزدهر، فلا يمكن أن ينصلح حال المجتمع إذا كان هناك طرف مقهور أو مُهان أو يشعر بالدونية، فكيف نتوقع بعد كل ذلك أن تكون أم سوية أو زوجة صالحة أو مواطنة كاملة؟! إننا لا نريد حرباً بين الرجل والمرأة، بل نريد مواطنين صالحين يكوّنوا أسرة صالحة، تفيد نفسها والمجتمع وتعمل من أجل نهوضه.

الموضوع تم نشره على أخبار اليوم بتاريخ 30 مارس 2015




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق