"خدعوك فقالوا: الدولة تخدع مواطنيها"

"أين ضميركم".. تساؤلًا أوجهه لنفسي على مدار السنتين الماضيتين، أوجهه عن هؤلاء الذين يستغلون كل حدثٍ وكل قرارٍ وأي شئ يخطر على بالنا، فقط ليثيروا بلبلة وقلق وسط المصريين، وهؤلاء كما نقولها بلغتنا المصرية "بينكشوا بمنكاش"، وليتهم يكتفون "بالنكش" فقط.

فهؤلاء هم الذين استغلوا من قبل الحرائق التي انتشرت في مصر مثل حريق العتبة والغورية، وهؤلاء الذين استغلوا أيضًا المزاعم التي روجها البعض حول أن مصر قد باعت جزيرتيّ "تيران وصنافير"، وهؤلاء أيضًا الذين استغلوا وروجوا بالسلب لقرار رئاسة الوزراء لرفع أسعار بعض الأدوية بنسبة معينة، زاعمين بأن الدولة لا تأبه بصحة المواطنين، وأنها تسلك أي طريق لجني المزيد والمزيد من الأموال!، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يبحثون عن الحقيقة أو بالأحرى لا يريدون أن يبحثوا عنها ولا رؤيتها والإقرار بها.


ودعنا عزيزي القارئ نقوم كعادتنا سويًا بترتيب أفكارنا ومحاور حديثنا، فالآن نحن سنتناقش سويًا حول حقيقة "رفع أسعار الأدوية"، ولكي تكون هذه المناقشة موضوعية، سنقسم حديثنا إلى  أربعة محاور وهي:

·        ما هو القرار الصادر من رئاسة الوزراء بخصوص الأدوية؟
·        ما هي الأسباب الحقيقية لإصدار هذا القرار؟
·        ما هي الشواهد السلبية التي حدثت بعد إصدار هذا القرار؟
·        كيف نحد من هذه الشواهد السلبية؟ وما هو دورنا؟

وسنبدأ بالمحور الأول وهو "القرار الصادر من رئاسة الوزراء بخصوص الأدوية"، فالقرار تمثل في زيادة الأدوية التي تقل أسعارها عن 30 جنيهًا بنسبة 20% ليتم تطبيقه على تشغيلات الأدوية التي سوف يتم انتاجها في المصانع حديثاً.

ويتضح من نص القرار أن هذه الزيادة ستطبق على الأدوية التي سوف يتم انتاجها حديثًا، وفي اللغة العربية كما نعلم جميعًا أن "سوف" هي لفظ يدل على حدوث ووقوع شئ في المستقبل، ومن هنا فإن قرار الزيادة سيتم تطبيقه على الأدوية المنتجة حديثًا وليست المنتجة بالفعل.

ومن ثَم، هاجم البعض الحكومة موجهًا إليه تساؤلات غير منطقية، مثل، لماذا ترفع الدولة سرعر الأدوية؟، أين دور السياسة النقدية؟، لماذا يتم رفع الأدوية وهناك مرضى بأعداد كبيرة يعانون من أمراض مزمنة؟ أين التخطيط؟، أين اتحاد غرف صناعة الأدوية؟، ومن هنا ننتقل للمحور الثاني وهو "الأسباب الحقيقية لإصدار هذا القرار"، فخلال الفترة الماضية وجدت الحكومة أن هناك عجزًا في توافر الأدوية منخفضة السعر، واضطر إلى شراء بدائلها المستوردة بسعر مرتفع، وقد جاء القرار كمحاولة لإنقاذ صناعة الدواء المصري والتي كادت أن تتوقف بسبب الخسائر التي ترتبت على ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية والتى تمثل ما يقرب من 80% من مدخلات صناعة الدواء.


وقد رأينا أن بعض شركات صناعة الأدوية قد طالبت الحكومة من قبل بتحريك أسعار الأدوية الرخيصة بعد خفض سعرالجنيه أمام الدولار، وذلك حتى يصبح انتاجها مجديا، كما سبق وأن حذرت غرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات من أن عدم رفع الأسعار سيؤدي إلى اختفاء مزيد من الأصناف، وهو ما حدث بالفعل حيث تسبب ارتفاع سعر الدولار في زيادة تكلفة استيراد الخامات، مما أدى إلى اختفاء أصناف عديدة من الأدوية بسبب التوقف عن انتاجها.
وما لم يراه أصحاب إثارة البلبلة أن الكثيرون من مسئوليّ نقابة الصيادلة قد أكدوا أن هذه الزيادات هي حل مؤقت، وبخاصةً أن هناك بعض الأدوية التى كانت تسعر عندما كان الدولار بـ3.80جنيهات، ولم يكن هناك تحريك فى الأسعار هذه الفترة، وتعتبر معظم الأدوية التي فى متناول يد المواطن المصري هى لشركات وطنية، وهناك 700 نوع من الأدوية أقل من 5 جنيهات بالشركة القابضة للأدوية وتخسر سنويًا 154 مليون جنيه وفقاً لإحصائيات الجهاز المركزى للمحاسبات.

وفي الحقيقة أنا أرى أن توفير الأدوية بالصيدليات هو من الضروريات التي يجب توفيرها، وهو الدور المنوطة به الحكومة، وقد قامت بوضع حلول واقعية لعبور هذه المشكلة، وهي بالمناسبة حلول تنتهجها الدول الأوروبية، حيث يقومون بمراجعة تسعير الدواء وإعادة النظر في تسعير الدواء، ودعني عزيزي القارئ أضرب لكل مثالًا، فمنذ شهور قليلة ماضية كنت بالولايات المتحدة الأميريكية، وصُعقت عندما وجدت أن سعر دواء ما هناك بلغ 270 دولار، في حين أنني قمت بشرائه هنا في مصر بـ 10 دولار، وحتى إن قال لي البعض أن المادة العلاجية قد تكون مختلفة، أؤكد أنها لم تكن مختلفة، وحتى وإن كانت مختلفة، فإن مصر تصنف من دول العالم المتقدمة فى صناعة الدواء المثيل.

والحقيقة إن هناك جملتين أود أن أقولهم أمام الله وأمامكم، ردًا على هؤلاء مروجيّ المشاكل، حيث أنه لولا الدعم لارتفعت الأسعار أكثر من ذلك، فهناك مصانع أدوية أغلقت لمدة 5 سنوات، لاحتياجها لمكاينات كثيرة جدًا، وهناك أموال كثيرة جدًا وضعت في إعادة هيكلة هذه المصانع، وأؤكد أن الحكومة حاليًا تدير وتتبع مفهوم "الإدارة"، ولهذا صدر مثل هذا القرار، فالحكومة لا تقف صامتة أمام أي شئ يحدث للمواطنين، بل أنها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتوفير متطلباتهم.

والآن، ننتقل إلى المحور الثالث في مقالنا وهو "الشواهد السلبية التي حدثت بعد إصدار هذا القرار"، ففي الحقيقة، وُجِد تلاعبًا من قبل بعض شركات الأدوية على القرار لزيادة أسعار أدوية سعرها أعلى من 30 جنيها دون وجه حق، من خلال التلاعب فى رفع سعر الشريط بداخل العلبة، ليتم تطبيق ارتفاع الأسعار على الأدوية أكثر من 30 جنيها، مما أدى إلى ارتباك فى الأسعار، وحالة من التخبط بين شركات التوزيع لتختلف الأسعار بين شركة وأخرى، وقد آثار هذا غضبي وغضب الكثيرين من المصريين.

ومن هنا ننتقل للمحور الرابع والأخير، وهو "كيف نحد من هذه الشواهد السلبية وما هو دورنا"، فأنا في البداية أطالب بإصدار كتيب يوضح الأسعار الجديدة للأدوية في أسرع وقت ليكون للصنف سعر موحد، مع وضع وحدات تسعير الأدوية في الحسبان، سواء كان بالشرائط أو بالعلبة أو الأمبولات، كما علينا نحن المواطنين الإبلاغ عن أي صيدلية لا تلتزم بالأسعار الواردة في الكتيب.

كما أضم صوتي لصوت بعض المتخصصين، والذين طالبوا الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بإلزام شركات الأدوية التي زادت أسعارها بتنفيذ القرار الوزاري رقم 499 وهو القرار الذي يربط زيادة سعر الدواء بزيادة هامش الربح الذى تقدمه الشركات للصيدلي، حيث أن هامش ربح الصيدلي الذى تقدمه له الشركات منذ سنوات طويلة لم يزد رغم زيادة الأعباء الواقعة على الصيدليات فى ظل ارتفاع الإيجارات والمرتبات والمرافق المختلفة.


وختامًا، أوصيكم ونفسي برسالة أكررها على نفسي في هذه الأوقات، وهي: "أبحثوا على الحقيقة وراء كل حدث وكل شئ، لا تجعلوا أنفسكم آداة يحركها البعض يمينًا ويسارًا وفق ما يشاءون".

الموضوع تم نشره في موقع محيط 


http://www.moheet.com/details_article/2016/05/29/2431877/%D8%AE%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%83-%D9%81%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%B9-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D9%8A%D9%87%D8%A7.html#.V0wkvqeli1E 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق