حقًا.. الوطنية لا تُباع

"عاش علم مصر مرفرفًا بأيدي أبنائها الوطنيين، هؤلاء الذين يدرك قلوبهم وعقولهم قيمة هذا العلم وله أثر كبير في نفوسهم".. فالوطنية في أبسط صورها تتجلى في تقدير الشخص لعلم وطنه، وإن لم يقدّر هذا الشخص علم وطنه فإنه بحق غير وطني، وللأسف لا يمكن له شرائها، فالوطنية لا تُباع.

فحقًا.. الوطنية لا تُباع ولا تشترى، فكم أصبت بالخيبة عندما كنت أتابع دخول البعثة المصرية في أولمبياد ريو بالبرازيل، ووجدت أحد اللاعبين الذين يمثلون مصر وهو يحمل علم آخر غير علمنا!، وللأسف هذا المشهد أطفأ في أعيينا الحماس والتأهب الذي كنا نشاهد به خيرة شبابنا وهم يمثلون مصرنا ويمثلوننا في مثل هذه الدورة الرياضية العالمية.

وفي الحقيقة لم يصدق عقلي ما برر به الكثيرون ومنهم اللاعب ورئيس البعثة نفسه، حيث قالوا أن سبب رفع اللاعب لعلم السعودية أنه وجده ملقيًا على الأرض، ففضل أن يحمله لأنه يحمل لفظ الجلالة، وهذا التبرير في نظري غير منطقي على الإطلاق، لسبيين، أولهما: قيام اللاعب بتحريك علم السعودية وسط الأعلام المصرية المرفوعة، فلو كان حقيقةً وجده ملقى على الأرض ما كان يقوم بتحريكه يمينًا ويسارًا على مرأى ومسمع كافة الحاضرين!، وثانيهما: دخول البعثة المصرية قبل دخول البعثة السعودية بحسب ضوابط دخول الب
عثات، التي تنص على أن البعثات تدخل حسب الترتيب الأبجدي لأسماء الدول، فكيف إذًا وقع العلم على الأرض!

فكيف يمكن لشخص يمثل وطنه في الأوساط الدولية أن يقوم برفع علم دولة أخرى غير علم وطنه؟!، كيف يستنكر رئيس البعثة الانتقادات التي وُجهِت للاعب ووصفها بالانتقادات "الحادة"!، فعذرًا، ليس ما قام به هذا اللاعب بالشئ الهين أو البسيط الذي يمكن تخطيه هكذا دون أي رد فعل يتلائم مع حجم هذا الفعل الذي يصل في نظري إلى حد "الجريمة".

فكان ولا بد للسيد وزير الشباب والرياضة أن يقوم بسحب هذا اللاعب من البعثه الأوليمبية، وترحيله دون إعطائه شرف تمثيل مصر التي لم يُظهر لها أي احترام أو تقدير في الأوساط الدولية، على الرغم مما قدمته له هذه الدولة من رعاية رياضية حتى أصبح مؤهل للمشاركة في بطولات دولية، فهل هذا رد الجميل؟!

وفي الواقع أن لا أدري ما هذا الجو الذي بتنا نعيش فيه، جو مملوء بالمفارقات والعجائب، فأين احساس الانتماء بالوطن، لما أصبحنا أمام نماذج تعبر عن عدم وطنيتها على الملأ هكذا، ففي الحقيقة أن ما فعله لاعب الرماية، ذكرني بما فعله الشاب الذي يدعى محمد سلطان، والذي تخلى عن جنسيته المصرية، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنراه وهو يسجد على أرضها ويقبلها، فهذا المشهد أصابني بالاستفزاز والاستعجاب، ففي الوقت الذي يقدم فيه وطننا الكثير لنا، يجد من يمقته ومن يتخلى عنه، ومن يقدّر أرض غير أرض هذا الوطن!

وفي الوقت الذي نطالع فيه مثل هذه النماذج نجد فريق من أبناء الوطن يضحي بحياته في سبيل حماية وطنه، ويجود آخر بأنفاسه في سبيل حفر قناة، فحقًا شتان ما بين جنودنا بالجيش، وبين من يرفعون أعلام غير أعلام وطنهم ، أو هؤلاء الذين يتخلون عن الجنسية المصرية من الأساس!

فلا يغيب عن قلبي وعقلي ما قرأته في إحدى رسائل أحد جنودنا بالجيش والتي عثر عليها زملاؤه في جيب بدلته الميري بعد استشهاده وهو يؤدي عمله بأحد كمائن القوات المسلحة برفح في شمال سيناء، لن استطيع أن أنسى كلماته التي يقول لنا فيها: "عايز أقول لشعب مصر ماتخافوش.. إحنا واقفين ناخد الرصاصة في صدرنا بدالكم"، وهؤلاء جنود قواتنا المسلحة، والشرطة، يمارسون دورهم في حماية الوطن، مهما كلفهم الأمر من حياتهم، وهم لا يأبهون لذلك مطلقًا؛ فالبنسبة لهم الوطن أولًا وأخيرًا.

ودعني عزيزي القارئ أن أشاركك قلقي الذي فجرته هذه النماذج السلبية، فحقًا أنا شديدة القلق على احساس الانتماء لدى أطفالنا وأبنائنا، فكيف ننميه لديهم وهم يطالعون معنا هذه اللقطات المستفزة؟!، كيف نغرز لديهم قيمة العلم وهؤلاء يشاهدون أحدهم يرفع علم غير علمه!، ففي الحقيقة أنا أرى أن هؤلاء يمثلون خطرًا على الهوية المصرية، ولا بد من التحرك للحد من وصولها للأجيال القادمة، وإذ لا بد من أخذ خطوات جدية تجاه هذا اللاعب حتى يكون دليل على فداحة ما قام به وعدم قبولنا به، فالنشء القادم هو مستقبل هذا الوطن ويجب أن يعي ويدرك من خلالنا جميعًا حب الوطن والاعتزاز به ، فالوطنية حقًا لا تباع.

 الموضوع منشور في جريدة الجمهورية أونلاين بتاريخ 7/8/2016

http://www.gomhuriaonline.com/main.asp?v_article_id=389677#.V6dGeVrbuUk 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق