"التنمية الشاملة هي الحماية لشباب الأمة"

رأينا خلال الفترة الماضية كيف أن الجماعات الإرهابية صارت تستغل الشباب لتحقيق أهدافها الدنيئة لتخريب الدول وإرهاب الشعوب، وكنت قد كتبت في مقال سابق كيف أن الإرهاب صار صناعة عالمية بأيدي محلية، فهؤلاء الإرهابيون بخلاف ضمهم لشباب صغير لكي ينضموا إليه في جحورهم، يقومون أيضاً بتجنيد شباب مختلف الدول العربية بل وغير العربية، لتنفيذ الهجمات الإرهابية في دولهم الأم.

وصارت هناك ظواهر خطيرة جديدة بدأت تظهر في قضية الإرهاب هذه الأيام، منها أن الشباب الذين ينضموا إلى الجماعات الإرهابية لم يعودوا من الفقراء والمهمشين والمكبوتين والجهلاء فقط، بل صار هناك شباب من أسر ميسورة الحال وشباب رياضيين ينضمون لهذه الجماعات. فما يحدث هو أن الجماعات الإرهابية يقومون باستغلال كافة مشكلات هؤلاء الشباب واللعب على الأوتار العاطفية والعقلية لهم، ويستغلون جهلهم تارة، وكبتهم الجنسي تارة أخرى، واحتياجهم المادي تارة ثالثة، أو احتياجهم للشعور بالإنتماء إلى جماعة –حتى لو  كانت إرهابية- أو حماسهم للتجديد، فهذا يعدونه بالحور العين أو مجاهدات النكاح الجميلات، أما هذا الذي يحتاج للمال فيعدونه بالغنائم، والآخر يعدونه بالجنة، والرابع يجذبونه لتجربة أمر جديد يكسر الملل والروتين في حياته –والسبب الأخير بالمناسبة كان هو ما دفع بعض الفتيات الأوروبيات والعربيات للانضمام إليهم.


وقد يرى البعض أن هناك أسباب متعددة لهذه الظاهرة الغريبة، ولكنني بعكسهم أرى أن كل هذه الأسباب إذا تتبعنا جذورها سنجدها تعود لسبب رئيسي واحد وهو: غياب التنمية الشاملة، حتى في البلاد الغنية والمتقدمة.

فإذا نظرنا لحال شبابنا سنجد أنه فيما مضى كانت الدولة تعول بشكل كبير على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لتوعية الشباب وتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل وإيجاد فرص عمل لهم. وعلى الرغم من أن الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني تقوم بدور فعال وحيوي في مسألة تمكين الشباب، إلا أنه لا يجوز أن يكون العبء الأكبر ملقى عليها وحدها لتنوير الشباب، فالدولة لها دور، والأهل عليهم جانب من المسئولية، والقطاع الخاص له دور في تنفيذ مسئوليته الاجتماعية، والمؤسسات الدينية أيضاً لها دور في تغيير الخطاب الديني ليصل إلى مستوى هؤلاء الشباب، ويحمي عقولهم من غسيل المخ الذي يقوم به هؤلاء الشياطين المتأسلمين، الذي يبثون السموم ليل نهار في أذان أبنائنا الذين يتركهم كثير منا لأجهزة الكمبيوتر والموبايل بدون حتى سؤال عابر عن أحوالهم.

إن هؤلاء الشباب يحتاجون إلى تنمية شاملة من كافة الجوانب سواء الاقتصادية أو الدينية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية، وهذا لن يتحقق سوى بتضافر جهود كل القطاعات في الدولة، فالدولة ينبغي أن تتدخل لدعم هؤلاء الشباب بشكل أكبر، وقد كان "سيلفي الرئيس مع الشباب" أكبر دليل على وجود تقدير من جانب الرئاسة لدور الشباب من الجنسين الذين يمثلون النسبة الأكبر من المجتمع المصري.

رجال الأعمال والقطاع الخاص ككل أيضاً عليهم دور في تحقيق التنمية الشاملة لهؤلاء الشباب، فالقطاع الخاص هو الضلع الثالث لمثلث التنمية في البلاد، لذا لابد أن يقوموا بمسئوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع، وذلك بإعطاء الجمعيات الأهلية التمويل اللازم لتنفيذ البرامج والمشروعات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف "تمكين الشباب وتنميته تنمية شاملة". إن أغلب رجال الأعمال يقومون بإعطاء التبرعات للجمعيات الخيرية فقط، وبالطبع التبرع للجمعيات الخيرية أمر محمود، ولكنه غير كافي وحده، نظراً لأن أغلب أنشطة الجمعيات الخيرية يكون هدفها النمو، بعكس الجمعيات الأهلية التي تهتم بكلا التنمية والنمو أيضاً، وأي شخص مُطلع يعلم أن التنمية هي الأبقى حيث تسعى بالأساس إلى تمكين الإنسان وتعمل بمبدأ "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد". الجمعيات الأهلية تهتم ببناء مواطن كامل الأهلية وواعي وفاعل ومنتج، وليس مجرد مستهلك، وتسعى لأن يعي معنى التطوع، وتعرّف المواطنين أنه بالفعل لهم حقوق وتساعدهم في الحصول عليها وكيفية المطالبة بها، ولكن في نفس الوقت لا نتغافل عن أن نوعيهم بواجباتهم، ولذلك الجمعيات الأهلية لها دور في السلام المجتمعي في مصر، وهذا هو ما تحتاجه مصر بالفعل الآن وهو أن يكون هناك عدالة اجتماعية ومواطنون راغبون في الإنتاج وقادرين على التغيير ومحترمين للآخر.

أيضاً على القطاع الخاص أن يكون لديه رؤية شاملة ومتوسعة، فلا يفرض على الجمعيات أو المؤسسات التي يمولها أن تقوم بتنفيذ برامجها ومشروعاتها في العاصمة، فمركزية التنمية كانت من أهم المشكلات التي عانت منها مصر في فترة من الفترات، والاتجاه الآن لابد أن يكون لمناطق مهمشة أخرى بمحافظات أخرى. وهكذا إن حدث كل هذا، واجتمع الجميع على مصلحة البلد فلن نجد ما بين صفوف داعش أو المحظورة أو غيرها شباب مصريين، بل سنجد الشباب المصري في صفوف المتطوعين والمنتجين.



الموضوع تم نشره بمجلة 7 أيام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق