وداعًا للرجولة

"لا تصالح.. ولو قيل ما قيل من كلمات السلام".. جزء من قصيدة الشاعر الراحل/ أمل دنُقل، وهذا الجزء يتردد داخل ذهني منذ ما طالعته من أخبار في وسائل الإعلام بشأن سعي الأزهر الشريف إلى إرسال 40 واعظًا لاتمام جلسه صلح عرفية بين عائلتيّ قرية الكرم في المنيا، وذلك على خلفية قيام 300 شابًا مسلمًا بإِشعال النيران في بعض منازل الأقباط، وكذا تعريتهم لسيدة مسنة قبطية وضربها، لوجود شائعة بوجود علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، والحقيقة أنا ضد هذا التصالح الذي يسعون إليه بحجة عدم تأجيج الفتنة الطائفية!

فأي فتنة طائفية يرونها في قيام بعض الشباب المتطرفين بالاعتداء على سيدة مسنة وتجريدها من ملابسها أمام مرآى ومسمع أهالي القرية، وأي صلح هذا سيعيد لهذه السيدة المسنة كرامتها التي دُهست بصمت الذين حضروا هذه الحادثة واكتفوا فقط بالمشاهدة.


ودعنا عزيزي القارئ، نرصد الوقائع التي حدثت سويًا، ففي البداية انتشرت شائعة تفيد بأن هناك علاقة عاطفية بين شاب مسيحي وبين فتاة مسلمة مطلقة، وعلى إثر هذا قام الشاب المسلم انتقامًا من طليقته بالذهاب إلى منزل الشاب المسيحي، ولكنهم لم يجدوه، بل وجدوا والدته فقط، فقاموا بسحلها وضربها وتعريتها وجرها على الأرض أمام أهالي القرية بشكل مهين ووقح، مستبيحين بذلك حرمة الجسد التي تقدرها كل الأديان على وجه الأرض، كما أشعلوا النيران في منزلها ومنازل بعض الأقباط، ومن هنا فإننا أصبحنا أمام حادثة أودت في نهايتها إلى إهانة سيدتين مصريتين؛ الأولى قاموا بفضحها والخوض في عرضها، والثانية قاموا بتعريتها.

وفؤجئنا بأن محافظ المنيا ينفي وقوع هذا الحادث، رغم أن الكنيسة أصدرت بيانًا صحفيًا تؤكد فيه ما تعرضت له هذه السيدة المسنة من إهانة بالغة، كما أنه عندما ذهبت هذه السيدة للإبلاغ عن الحادثة، ما كان لرئيس المباحث إلا أن يرفض تسجيل محضر بذلك، لعدم إشعال الفتنة بين المسلمين وبين المسيحيين!

ففي الحقيقة أن التعامل مع هذه الحوادث من خلال  "المسكنات" يشعل الفتنة أكثر حيث أنها بكل تأكيد لها آثار جانبية ستظل تتزايد وتتزايد حتى يسوء الوضع ونحتاج لتدخل جراحي يصعب التنبؤ بنتائجه، والحقيقة أيضًا أن التعامل مع هذه الحادثة يجب أن يراعي أولًا وأخيرًا تطبيق القانون بحذافيره على هؤلاء الـ 300 شاب المخطئين، وليس الصلح العرفي الذي لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه سابقًا، فحتى وإن استقرت الأوضاع، فتأكدوا أن هذا لن يدوم طويلًا، ومن هنا فأنا أؤكد على حاجتنا الماسة لتطبيق دولة القانون وإعتبار الحادث جنائي وليس طائفي.

واسمح لي عزيزي القارئ أن أطرح عليك تساؤلًا، وهو أين كان مفهوم هذا "الصلح العرفي" عندما حُكِم على ثلاثة أطفال بالسجن 5 سنوات لقيامهم بتمثيل فيديو ساخر من الممارسات الداعشية العنيفة التي مورست تجاه أخوانهم الأقباط في ليبيا العام الماضي، لما لم يقم الأزهر الشريف وقتها بالسعي إلى تطبيق هذا الصلح؟، فهل الفيديو الساخر كان أشد وقعًا وتأثيرًا من تجريد سيدة مسنة من ملابسها؟!

لذا، لابد للأزهر أن يساند الرئيس في الحرب التي يخوضها وحده لتغيير الخطاب الديني الذي تأثر كثيرًا بوجود بعض المتطرفين الذين يحاولون طمس هوية الوسطية والاعتدال التي كان يتسم بها الأزهر في السابق، ولنأخذ في الاعتبار أن الأزهر لم يصب حينما تداخل وتصدر المشهد خلال الأحداث الأخيرة في المنيا، فالكنيسة لم تتدخل نهائيًا وأكدت أنها لن تتصدر المشهد بل الدولة هي التي ستتصدره، وفي الحقيقة أنا احترمت موقف الكنيسة بالكامل، فلوأد الفتنة الطائفية لابد للمؤسسات الدينية أن تتنحى جانبًا وتقدم المساحة الكافية للقانون حتى يتخذ مساره، وعلى المؤسستين تقديم النصح والتوعية بأن المصريين هم نسيج واحد فقط، ولا وجود لفرق بين مسلم ومسيحي.

وختامًا، "كلنا غاضبون، مسلمون ومسيحيون غاضبون، ونطالب فقط بسيادة القانون وإقالة كل مسئول دلّس الحقائق، فإن لم تواجه أحداث المنيا بمنتهى الحزم، ستكون علامة ذل وعار وندم علينا جميعًا كمصريين شعبًا وقيادةً أمام العالم وقبل ذلك كله أمام أنفسنا، وفي الحقيقة أنا مطمئنة كل الاطمئنان بأن رئيسنا السيسي لن يسمح لهذا بأن يحدث".

الموضوع تم نشره على موقع الجمهورية أونلاين بتاريخ 29 أبريل 2016


على الرابط التالي: 
 http://www.gomhuriaonline.com/main.asp?v_article_id=371884#.V0rFOmiKSUk


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق