مصر .. خط أحمر

بمرور السنوات يتأكد لي أن هناك فرق بيّن وواضح بين قواتنا المسلحة، وبين "بعض" الفئات الموجودة بالبلاد؛ فحقًا شتان ما بين جنودنا بالجيش، وبين من يرفعون أصواتهم بمطالبهم الفئوية، أو مروجيّ الإشاعات، أو الإعلام الذي يخفي عينه عن الحقائق والإنجازات المتحققة خلال العامين الماضيين؛ فهذا نقيب بالجيش يستشهد، وهو يؤدي عمله بأحد كمائن القوات المسلحة برفح في شمال سيناء، بعد هجوم مسلح من جماعة إرهابية مسلحة، يبعث برسالة لوالدته عثر عليها زملاؤه في جيب بدلته الميري، يقول لنا فيها: "عايز أقول لشعب مصر ماتخافوش.. إحنا واقفين ناخد الرصاصة في صدرنا بدالكم"، وهؤلاء جنود قواتنا المسلحة، والشرطة، يمارسون دورهم في حماية الوطن، مهما كلفهم الأمر من حياتهم، وهم لا يأبهون لذلك مطلقًا؛ فالنسبة لهم الوطن أولًا وأخيرًا.

وعلى النقيض، نجد بعض الأشخاص يرفعون أصواتهم بمطالبهم الفئوية، وينقطعون عن العمل، مهددين بتقديم استقالتهم من العمل، بدافع سوء الأحوال المالية، وقلة رواتبهم!، كما نجد شخصيات تنتقد قرارات الدولة بتحفظها على شركة سياحية يمتلكها أحدهم؛ للاشتباه في وجود شراكة بينه وبين قيادات إخوانية، وهؤلاء إعلاميو مصر الذين يتركون كل الإنجازات الجلية والواضحة التي حُقِقت خلال الشهور الماضية، ليركّز لأكثر من 10 أيام متواصلة على سعر "البامية"، وكم يتزايد سعرها!

والحقيقة، أنني في حياتي كلها لن أمقت أكثر من هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم بـ"مطالبهم الفئوية" أو "لايقفون" إلى جانب وطنهم ويعلّون من قيمة بعض الأشخاص عنها، خصيصًا في هذه الفترات الصعبة التي تعيشها البلاد، ونحن نعلم جيدًا أن مصر تحتاج إلى توحيد أصواتنا جميعًا حولها هي فقط وحول بنائها.

ومن هنا، فأنا يا عزيزي القارئ لا أتفهم الكثير والكثير من الأحداث التي نشهدها حاليًا، وهل فعلًا هناك مخطط يُدار ضد الوطن خلال هذه المرحلة، من خلال الكشف عن كل هذه الموضوعات المريبة في وقت واحد؟!، فالبداية، جاءت بالمطالب الفئوية، ثم الدفاع عن شخصيات مشكوك في شراكتها مع الإرهابيين، وأخيرًا الإعلام الذي يشوه الحقائق.

ودعني عزيزي القارئ، أرصد لك هذه القضايا الثلاث، التي اتخذت منحنيات في غاية التدني خلال الأيام الماضية، فأولًا أنا لا أتفهم جدوى قيام العاملين ببعض الشركات بتقديم استقالتهم من العمل!، فحقيقًة لا أفهم ذلك، وأؤكد أنه لا يجب أن يترك أي شخص عمله، مهما كانت الأسباب مادية أم لا؛ فالوقت ليس مناسبًا، ولا الطريقة مناسبة، لشركات قبلت تعيين هؤلاء، وهم حديثو التخرج، وقامت بتدريبهم وصقلهم وتأهيلهم ليكونوا بهذا المستوى وهذه الخبرة.

وفي الواقع، أنا بطالب أي مسئول بقبول أي استقالة تُقدم إليه من أي موظف أو عامل، فهناك آخرون يستحقون العمل، ومن لا يريد العمل، لا يعمل، ومن يريد اتخاذ أي حجة مهما كانت لتعطيل العمل، يستقيل، فالاعتصامات والاضراب عن العمل، لن "تلوي" ذراع مصر، هناك الكثير يتمنى العمل في هذه الوظائف، وسيقدّر الفترة التي يمر بها الوطن، وسيعمل بكدٍ.

بالإضافة إلى أنني أجد أن امتناع أي شخص عن عمله بأي حجة، ويقوم بتصعيد الأمور بهذا الشكل، لا يقدّر وطنه، ولا الفترة الصعبة الراهنة التي يمر بها، فهل حقًا تجدون في ذلك ردًا للجميل؟!، وهل هذا يمثل تقديركم لمصر وللفترة التي تمر بها؟!، ألن تستمعوا إلى ما يقوله الرئيس السيسي كثيرًا: "إن ظروف مصر صعبة ولازم نستحمل"، فهل هذه طاقة استحمالكم وصبركم؟!

فهل سمعتم يومًا عن جندي بالجيش أو بالشرطة يساوم مؤسسته على زيادة راتبه، أو الانقطاع عن عمله؟،  وهم الذين يتقاضون رواتب قليلة لا تقارن برواتب بعض الفئات الأخرى؛ فكم يبلغ أقصى راتب لهؤلاء الجنود، الذين يلقون حتفهم ويستشهدون يوميًا، ويعملون في كل الظروف، والمخاطر، وتغييرات الجو، أتعلمون كم؟.. 5 آلاف جنية فقط هو أقصى راتب!، حتى أننا سمعنا يومًا بأن أحد الجنود الذي استشهدوا بالطائرة التي أسقطها الإرهابيون كان في جيبه 13 جنيه فقط!، في حين أن هناك وظائف يصل أقل راتب بها إلى 5 آلاف دولار وعلى الرغم من ذلك يقوموا بعمل اعتصامات لتحسين رواتبهم وأوضاعهم!!

ثانيًا، أنا لا اتفهم "الثورة" الإلكترونية التي قام بها البعض، بعد انتشار خبر التحفظ على شركة سياحية!، مملوكة للاعب كرة سابق، فكالعادة لم يترك الإعلام خبرًا إلا واستخدمه في إثارة الفتن، دون توضيح جوانب الحقيقة كاملةً، فالنسبة لموضوع هذا اللاعب الذي أخذ اهتمام مبالغ به من جانب الإعلام فأود أن أوضح أكثر من نقطه بخصوصه ، فلا يوجد أي اعتقال أو تحقيق سياسي مع هذا اللاعب،كما أنه لم يتم تجميد كل أمواله ولكن جزء منها فقط ،  وهو رأس مال الشركة السياحية التي أنشأها في عهد جماعة الإخوان الإرهابية؛ لوجود شبهات شراكة بينه وبين قيادات إخوانية وبالتالي تخضع الشركة للفحص من قبل لجنة التحفظ على أموال الجماعة لحين البت في علاقة القيادات الاخوانية بالشركة تحديدًا، كما أن هذا اللاعب يعلم بالأمر منذ أكثر من أسبوع، وتقدّم بتظلم ولم يُقبل لسبب منطقي وهو أن اللجنة لم تنته من عملية الجرد، ولم يبت رسميًا في وضعية رأس مال الشركة، وهل هي مصدر تمويل ودعم للجماعة أم لا؟، إذن الموضوع  كله شكوك من قِبل أجهزة الدولة تجاه كون هذه الشركة أحد دعائم الجماعة الإرهابية في مصر أم لا ؟؟ ومن هنا كان يجب علينا جميعًا أن نساند هذه القرارات، ونصبر حتى تنتهي التحقيقات في هذه القضية، فماذا لو ثبت أن لهذه الشركة يد في العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعة مؤخرًا؟!، ماذا لو ثبت أن دماء جنودنا وشبابنا ونسائنا تراق بسبب مثل هذه الشركات؟!، هل ستظلون تهتفون بأن هذا اللاعب خط أحمر؟!، ففي الحقيقة هناك خط أحمر واحد وهو مصر.

ثالثًا، أنا لا اتفهم موقف الإعلام من الأحداث الجارية حقيقًة، لما يتجاهل بعضها، ويركّز على البعض الآخر؟؟!!، لما يركّز ويسلط الضوء بشكل مبالغ على سعر كيلو "البامية" وكم بلغ رغم أنها في كل عام تصل إلى هذا السعر وأحيانًا أكثر من ذلك، ولما لا يركّزون على إنجازات الرئيس، وما حققته مصر مؤخرًا في سبيل عودة دورها الريادي بين دول العالم بشكل عام ودروها في أفريقيا بشكلٍ خاص؟؟ لما لا يركّزون على دور مصر في تحرير الأثيوبيين من الجماعات الإرهابية واحتفاء دول العالم بها؟؟ لما لا يسلط الضوء على مشروعاتنا الجديدة مثل "قناة السويس الجديدة"، ومشروع "استصلاح المليون فدان"، ومشروع "إعادة تشغيل الهيئة العربية للتصنيع" وإنتاجها لمحطتيّ كهرباء تغذي إحداهما مئتيّ مصنع بالطاقة، ومشروع "مظلة التأمين الاجتماعي" الذي انضم إليه ثلاثة مليون مواطن، و"إنشاء شبكات الطرق وإصلاح الكباري الآيلة للسقوط" ، لما لا يركزون على جميع هذه الإنجازات؟؟


ففي النهاية أؤكد على أن مصر تحتاج مننا الصبر أكثر من ذلك، الدولة تحتاج مننا الثقة أكثر من ذلك، وأن على الإعلام أن يتغيّر، ويغيّر من استراتيجيته، وأولوياته، فليتخل ولو قليلًا عن إثارة الفتن والزوابع، وليمارس دوره الأساسي في توعية الناس بالحقائق السليمة دون تشويهها.

تم نشر هذا الموضوع على موقع محيط بتاريخ 10 مايو 2015


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق