دعوة لتغيير القوانين البالية

لأنني أعمل منذ سنوات مع المرأة المصرية شاهدت الألاف من المشاكل التي تواجه الأمهات الأرامل والأطفال الأيتام، بسبب قوانين تحكمنا منذ عشرات السنوات.

فهناك مئات الألاف من الأمهات الذين ذاقوا مرارة فقدان الزوج يكتشفون أنهن فجأة بدأن سلسلة لا تنتهي من المشاكل والعقبات والمسئوليات، ولا أقصد هنا مسئولية تربية الأبناء وتحمل أعباء الأسرة بأكملها فقط، ولكن الأسوء من ذلك هو مواجهتهن للروتين والتعقيدات القانونية التي تجعل منهن ومن أبنائهن فريسة في أيدي الظروف المادية والإجتماعية.
          
فللأسف القانون الحالي لا يجعل من الأم واصية على مال أبنائها بشكل مباشر بعد الأب بل أن وصاية المال وفقاً للقانون تؤول للجد ثم للعم بعد الأب، وفي حالة رغبة الأم في أن تكون هي الواصية على مال أبنائها تتقدم بطلب وصاية، فإذا طلب الجد أو العم الوصايا فإن المحكمة تحكم للجد أو العم، وهذا لأن القانون يعطي الأفضلية في وصاية المال للرجال عن النساء، وهو ما يعد تمييزاً واضحاً لا مبرر له، وحقيقي من الغريب جداً أننا في عام 2015 مازالت تحكمنا قوانين من عام 1920 وضعت بعقلية قديمة، تقلل من شأن المرأة وتعاملها على أنها لصه وغير أمينة على أموال أبنائها.

فمع إحترامي لجميع الأقارب إلا أن الأم هي أكثر إنسانة تخاف على أبنائها وعلى مصلحتهم وبالتالي فهي الأولى لرعاية أموالهم وحفاظ حقوقهم، كما أن الأم تكون مسئولة بمفردها عن تربية أبنائها وتعليمهم وتحمل كافة مسئوليات حياتهم ولا يتحمل معها هذا العبء أي شخص أياً كان من هو، فالأم هي من تذهب للأطباء لمعالجة أبنائها وهي من تستذكر معهم دروسهم وهي من تعلم ما يحتاجة المنزل وما يحتاجة أبنائها من أموال ليستطيعوا أن يحيوا حياة كريمة، ولكن القانون يرى أن هذه الأعباء كلها غير كافية على الأم فيزيدها عبء الدخول في قضايا ومشاكل مع أهل زوجها من أجل الحصول على حقوق أبنائها.

وما أطالب به بإسم كل أمهات مصر أن تكون الأم هي الواصية على أموال أبنائها بعد الأب، فالمرأة الأن تعمل وتكسب وتشارك في كافة مجالات الحياة ولديها القدرة على التعامل مع الجهات الرسمية، فهي من تتحمل كل المسئوليات عقب فقدان الأب، كما أن الإسلام كرم المرأة وأحترم قدرتها على إدارة المال والأعمال وأعطاها ذمة مالية منفردة، وخير دليل على ذلك السيدة خديجة فهي كانت صاحبة مال وأعمال وكانت تدير العديد من العاملين لديها ولم يحرم الإسلام ذلك بل على العكس جاء الإسلام ليؤكد على كافة حقوق المرأة فجعل لها حق في الأرث وفصل الذمة المالية للزوجة عن الزوج، وكل هذا يؤكد إحترام الإسلام للمرأة وعقليتها وقدرتها على إدارة أموالها وأموال أبنائها، وبالتالي فالأم هي الأقدر والأحق بالولاية على مال أبنائها.

ولكن يجب هنا أن أنوه أن وصاية الأم على المال لا تعني إنتهاء كافة المشاكل بل تعني أنها أنتهت من نصف المشاكل فقط وبدأت مرحلة جديدة من الإجراءت الروتينية المعقدة مع "المجلس الحسبي"، ولمن لا يعرف فالمجلس الحسبي هو أحد الهيئات القضائية التابعة لمحكمة الأسرة، يتكون من 5 أشخاص؛ هم النائب العام، ثم المحامى العام الأول، ورئيس محكمة الاستئناف، ثم رئيس النيابة العامة، ووكيل النيابة الحسبية، ووظيفة المجلس الحسبي هو الإشراف على أموال القصر وفاقدي الأهلية.

وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو حماية الأموال التي آلت للقصر وفاقدوا الأهلية، حيث ينص القانون رقم 47 لسنة 2004 على أن "يخضع فاقدو الأهلية والقصر للوصاية، ولا يجوز للواصى التصرف فى أموالهم أو إدارتها إلا بإذن من المحكمة"، ولكن الواقع حول هذا المجلس من مجلس لحماية أموال القصر إلى مجلس للعزاب للأمهات والقصر، حيث أن الأم والأبناء القصر لا يستطيعون التصرف في أي قرش من أموالهم أو أرثهم من أراضي أو عقارات أو غيرها إلا بموافقة المجلس الحسبي، وبالطبع هذا المجلس ينظر في مئات الألاف من الطلبات يومياً، وللأسف أصبح يسري عليهم ما يسري على القضايا والتي تأخذ شهوراً وربما سنوات بين أروقة المحاكم نظراً لكثرة عدد القضايا ولقلة عدد رؤساء المحاكم ووكلاء النيابات.

فالحالات التي يشرف عليها "المجلس الحسبي" تتحول إلى مجرد أرقام ينظر إليها وهذا ليس عيباً في المجلس الحسبي أو القائمين عليه ولكن المشكلة تكمن في قلة عدد القائمين عليه، وهو ما يجعل منه مجلس للعزاب والعناء بالنسبة للأمهات والأطفال، فإذا إحتاجت الأم أموالاً لعلاج أحد أبنائها عليها أن تذهب أولاً للطبيب وتستدين لعلاج إبنها ثم تذهب للمجلس الحسبي وتقدم أوراقاً رسمية تفيد بمرض إبنها وتحدد فيها مصاريف علاجه وتنتظر حتى يتم الرد على طلبها وتحصل على الأموال، وهو ما يشكل إجهاداً بدنياً ونفسياً يقع على عاتق الأم.

ولهذا لابد أن نفكر بطريقة مختلفة فليس من الطبيعي أن نترك كل هذه الأعداد من الأمهات الأرامل والأطفال اليتامى يعانون من مشاكل الحياة والمشاكل المادية ويواجهون مصيرهم دون أن يقدروا أن يحصلوا على أموالهم بسبب كثرة الطلبات والبطء في الرد على طلباتهم.

وليس من المنطقي أن تهين الأم نفسها وتستدين لتصرف على أبنائها في الوقت الذي يملك أبنائها المال الذي يكفل لهم عيشة كريمة ولكنهم لا يستطيعوا الحصول عليه نظراً للتعقيدات الروتينية.

وفي رأيي أننا يجب أن نفكر في حلول جديدة لهذه القضية تحديداً كأن يتم إعادة تشكيل المجلس الحسبي وزيادة عدد وكلاء النيابة والقضاة العاملين في المجلس الحسبي بحيث يتم الرد بأسرع وقت ممكن على الأم في موعد أقصاه 48 ساعه ، يلتزم المجلس بعدها بأن يصرف للأم والأبناء المبالغ التي يحتاجونها حتى لا تضطر الأم للإستدانة لتدبير احتياجات أبناءها.

ولهذا فأنا أطالب جميع مرشحي البرلمان القادم أن يدرسوا هذه القضية بعمق لأن المرأة يقع عليها ظلم كبير من جراء منظومة قوانين الأحوال الشخصية المجحفة لحقوقها، وأنا أعلن أنني سوف أتبنى حملة موسعة أطالب فيها بتغيير قانون الولاية على المال بحيث تكون الولاية للأم بعد الأب.


كما أنني سأعمل وكل فريق العمل الذي يعاونني على حل المشاكل التي يسببها المجلس الحسبي للألاف من الأمهات والأبناء، فهم بشر ولهم حقوق وليس من العدل أن نتركهم يعانون دون أن ندافع عن حقوقهم ونفكر لهم في حلول جذرية تحفظ أموالهم وفي نفس الوقت تضمن لهم أن يحيوا حياة كريمة، وأنا أطالب كل الأمهات اللواتي يعانين من مشاكل بسبب قانون الولاية على المال أو بسبب المجلس الحسبي أن يتواصلوا معي حتى نرصد كل هذه المشاكل ونقدمها للمسئولين ونعمل على تغيير هذه القوانين سوياً.

الموضوع تم نشره على الجمهورية اونلاين بتاريخ 22 يوليو 2015

رابط الموضوع على

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق