قراءة في الانتخابات البرلمانية.. "المشاركة والنتائج"

"وعدت.. ففعلت.. فأوفيت".. هذه هي ليست رسالتي وحدي لرئيسنا السيسي، بل هي رسالة من جموع أبناء مصر الوطنيين المخلصين؛ فعندما وعد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو بحماية الوطن من هجمات البائسين من الجماعات الإرهابية، رسم لنا خارطة طريق بها ثلاث محطات رئيسية، كان أولها الدستور، وثانيها انتخابات الرئاسة، وثالثها الانتخابات التشريعية، واتممها معنا، وكان آخرها منذ أيام وهو الانتهاء من الانتخابات التشريعية.


فأخيرًا اكتملت أضلاع مثلث السلطات الثلاث في مصر؛ فأصبح لدينا سلطة تشريعية وأصبح لدينا مجلس نواب، فكما نعي جميعًا أن التجارب البرلمانية السابقة لثورة يناير اتسمت بتزييف آراء المواطنين، وجاءت ثورة يناير لتجعلنا نأمل ونطمح من جديد أن نعيش تجربة برلمانية حقيقية بمشاركة المواطنين أنفسهم، ولكننا صدمنا؛ فلم يكن لدينا تجربة انتخابات برلمانية واقعية، ولا مجلس نواب ممثل لكل أطياف الشعب، فرغم أن التاريخ يؤكد أنه كان لدينا برلمان في 2012، إلا أنني حقيقةً لا اعتدّ به على الإطلاق، لذا فسعادتي وفخري لا يوصفان بأول تجربة انتخاب حقيقية لمجلس نواب حقيقي.


ونجاح تجربة الانتخابات جاء بنجاح محوريها الأساسين، وهما: "الناخبين والمرشحين"، ومن هنا سنتناول بشئٍ من التفصيل هذين المحورين، لنوثق سويًا يا عزيزي القارئ أبرز ملامح هذه التجربة باعتبارها واحدة من أهم وأنجح التجارب التي خاضتها مصر على مدار السنوات الخمس الماضية. وستكون المحاور التي سنتناولها في هذه المقالة كما يلي:


• المحور الأول: مشاركة المواطنيين في الانتخابات.
•المحور الثاني: تشكيل مجلس النواب وتمثيله لكافة فئات الشعب.


ولنبدأ سويًا عزيزي القارئ بالمحور الأول وهو مشاركة المواطنيين في الانتخابات، والحقيقة أن خلال فترة الانتخابات بجولتيها كان هناك نوعًا من الإدعاء بشأن قلة نسبة المشاركة في الانتخابات، رغم أن الهيئة العليا للانتخابات أعلنت أن نسبة المشاركة بلغت 28.3% من إجمالي عدد من لهم حق التصويت، كما أنني وكثير من الشخصيات نزلنا بأنفسنا لنرصد المشاركة، ووجدنا إقبالًا من المواطنين وتنظيمًا على مستوى عالٍ.


واقترنت إدعاءات قلة المشاركة في الانتخابات بمقارنات مع نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة كنوع من التدليل على أن نسبة المشاركة الحالية كانت ضعيفة، ولكن لنكن واقعيين، هل حقًا تعد الانتخابات البرلمانية السابقة تجارب حقيقية، فلننظر إلى آخر ثلاث انتخابات تم إجرائها، ففي 2005 بلغت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشعب حوالي 25%، وبلغت في 2010 قرابة الـ 35 %، وكلنا نعرف أن انتخابات عام 2010 تحديدًا شابهها عمليات تزوير واسعة من خلال تقارير المنظمات المراقبة على الانتخابات التي أكدت الأمر ذاته، لذا فنسبة المشاركة الحقيقة مشكوك بها.


ونأتي إلى انتخابات برلمان 2012، والتي كما ذكرت سابقًا لم اعتبرها تجربة انتخابية حقيقية، ووقتها قدرت اللجنة العليا للانتخابات نسبة الناخبين فيها بـ62% كنسبة غير مسبوقة في تاريخ مصر، ولكن كلنا يعلم كثرة الأحزاب الدينية والاستقطاب الطائفي آنذاك، وحشد بالأتوبيسات وتوزيع عبوات الزيت والسكر على المواطنيين، وإرهابهم بمبادئ غريبة مثل أن عدم المشاركة في الانتخابات تؤدي إلى النار، وإرهابهم بتوقيع غرامة كبيرة على الفقراء تحديدًا حال عدم مشاركتهم، فضلًا لتواجد حشد من نوع آخر وهو المشاركة عندًا في الجماعات الإرهابية، وبذلك نجد أننا في انتخابات 2012 كنا أمام قطبين مشاركين وهما الجماعات المتأسلمة وحشودهم، والأحزاب والأفراد الرافضين لهم.


لذا لا تعد نسبة المشاركة في انتخابات مجلس النواب هذه المرة بالنسبة القليلة بالمقارنه بنسبتها في 2005 وفي ظل عدم تواجد عمليات تزوير ممنهجة كما كانت في 2010، وكان دور الدولة الوحيد في هذه الانتخابات هو حمايتها والإشراف عليها وعلى نزاهتها، وما تردد بشأن تأييد الدولة لقائمة أو تحالف أو شخص مدعوم من الدوله هو كلام غير حقيقي على الإطلاق.


كما أن تقارير المراقبة أجمعت على نزاهة هذه الانتخابات الأخيرة، وبالطبع نسبة 28% ليست مثل نسبة 62%، ولكن يكفي أن اختيارات الناخبين بها جاءت دون تواجد فصيل الإسلام السياسي وهو ما عكس رفض المصريين الكامل لهم، ولكن إحقاقًا للحق كان هناك تواجد ظاهرة المال السياسي، حيث كان هناك عمليات لشراء أصوات الناخبين، وهذه الظاهرة لن تغيب أو تنحصر طالما لم تلغى الحصانة الجنائية، التي تجعل من بعض الأشخاص يدفعون كل ما لديهم للحصول عليها، ولعل من النقاط التي تٍجعل المشاركة في الانتخابات قليلة نسبيًا هو عدم معرفة الناخبين بالمرشحين وكثرة عددهم، واعتقاد بعض المواطنين بأن يكفيهم وجود الرئيس السيسي فما داعي وجود الانتخابات البرلمانيه.


ومن هنا ندخل في المحور الثاني وهو تشكيل مجلس النواب وتمثيله لكافة فئات الشعب، فالحقيقة أن من النقاط الإيجابية في تشكيل مجلس النواب وأحد أكبر عوامل نجاحه هو اسقاط الشعب لحزب النور ، وعدم تواجد حزب النور تحت قبة البرلمان وحصوله على 12 مقعد فقط (9 مقاعد في المرحلة الأولى- 3 مقاعد بالمرحلة الثانية)، وهو ما يثبت أن المصريين بات لديهم الوعي بمدى فجاجة وخطورة هذه التيارات المتأسلمة.


ومن النقاط الإيجابية أيضًا في تشكيل البرلمان هو انتصاره بشكل كبير للمرأة والشباب والأقباط، فالمرأة حصلت على حوالي 70 مقعدًا برلمانيًا بواقع 15.5% من إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب البالغ عددهم 450 مقعدًا، رغم أننا كنا نطمح أن تزداد نسب التمثيل النسائي في مجلس النواب لتصل إلى 50% من المقاعد، فهو ليس اقتناصًا أو تعصباً، بل هو حق أصيل للمرأة، نتيجة كونها نصف المجتمع.


فيما حقق الأقباط أعلى نسبة مشاركة بحصولهم على ٣٥ مقعدًا بالانتخاب (16 مرشحًا في المرحلة الأولى، و١٩ مرشحًا في المرحلة الثانية)، ومن الأشياء الدالة على التغيير هو أن أهالي حي باب الشعرية، حيث مقامات الأولياء والمساجد الأثرية انتخبوا نائب مسيحي كي يمثلهم في البرلمان، أما الشباب فقد حصلوا تقريبًا على 25 مقعدًا برلمانيًا، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا وسط غياب آليات تمكين الشباب المصري بالبرلمانات السابقة.


وحصلت الأحزاب السياسية القائمة على الشباب على عدد من المقاعد، فمثلًا حزب المصريين الأحرار حصل على 65 مقعد، وحصل حزب مستقبل وطن على 50 مقعد، وكل هذه النقاط السابقة لم تحدث في البرلمانات السابقة حتى في أول برلمان بعد الثورة وهو برلمان 2012.


ونقطة أخيرة فيما يخص تشكيل مجلس النواب وهي أنه من الصعب أن يجتمع الكل على شخصية بعينها، فالذين يرفضهم البعض يقبلهم الآخرون، فهناك تحفظات منا وتحفظات من البعض على شخصيات بعينها من الذين دخلوا البرلمان، ولكن هناك أيضًا عدد من الشخصيات المحترمة والمرموقة دخلوا في البرلمان، وجميعهم جاءوا من خلال اختيارات المواطنيين أنفسهم، وكل ما نتمناه أن يكون هؤلاء النواب عند حسن ظن شعبهم ؛ فكلنا نريد لبلدنا التقدم والرخاء.


وأخيرًا فأنا أرى أن مجلس نواب 2015 هو من أكثر المجالس تمثيلًا لكل فصائل وأطياف الشعب، وعلى المواطنين أن يلعبوا دورًا رقابيًا على آداء هؤلاء النواب، وأن تشارك الأحزاب وتتفاعل مع المواطنيين بشكل أكبر وأعمق كي نمنع سويًا عودة المتأسلمين للصورة السياسية مرة أخرى.


الموضوع تم نشره على بوابة أخبار اليوم بتاريخ 9 ديسمبر 2015

رابط الموضوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق