الثانوية العامة.. على حافة الهاوية

من منا لا يعرف "بعبع" الثانوية العامة؛ فلا يوجد بيت مصري يخلو من هذه المرحلة وما تسببه من ضغط نفسي وعصبي ومادي يتعرض له الطالب وأسرته، فالجميع يتعامل مع الثانوية العامة على أنها مرحلة تحديد مصير للمستقبل، إذ بناءًا عليها يتم تحديد الكلية الجامعية التي سيلتحق بها الطالب ومن ثم الوظيفة التي سيلتحق بها.
ولعلنا جميعًا لمسنا وتابعنا حالة الاستياء والغضب التي سيطرت على طلاب الثانوية العامة وعلى أسرهم خلال هذا العام؛ نتيجة التسريبات التي شهدتها الامتحانات من قبل بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل صفحة "شاومينج بيغشش ثانوية"، و"بالغش اتجمعنا"، وهو ما تسبب في إلغاء امتحانات وتأجيل أخرى أكثر من مرة.

ولعلها هذه المرة الأولى التي نرى فيها حالات تسريب للامتحانات بهذا الشكل المزعج، فمن هو المسئول عن حدوث تلك المهزله؟! ومن المسئول عن عملية تأمين الإمتحانات وعدم حدوث تسريبات لها؟ فعلى الرغم مما سمعناه عن اتخاذ الدولة للعديد من الإجراءات الأمنية لتأمين مرحلة الامتحانات، إلا أن ذلك لم يمنع تسريب نماذج الأسئلة والإجابات التي لا توجد سوى في المطبعة السرية الخاصة بوزارة التربية والتعليم.

ورغم إعلان وزارة الداخلية، بإلقاء القبض على مسئولي تلك الصفحات وعدداً من مسئولي وزارة التربية والتعليم، وإغلاق أكثر من 150 صفحة حتى الآن، بالإضافة إلى تحذيرات وزارة التربية والتعليم والتشديد على أن من يتسبب في عمليات التسريب والغش الجماعي سيقوم بدفع غرامة مقدارها 50 ألف جنيه، والحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، إلا أنّ عمليات التسريب للامتحانات ظلت مستمرة، مما يؤكد أن القائمين على هذه الصفحات عدد هائل لا يسعى سوى لتدمير جيل من شباب المستقبل.

ولا يسعني إلا أن أشعر بالشفقة على هؤلاء الطلاب، فما هو ذنبهم في تسريب الامتحانات؟! ما هو ذنبهم وذنب أسرهم في إعادتها واستمرارها حتى قبل العيد بيوم واحد؟!، وليت الأمر توقف على ذلك، بل أنه تدهور حتى وصل إلى حافة الهاوية، فوجدنا حالات انتحار بعض الطلاب الأبرياء.

والآن، فلنفكر تفكيرًا منطقيًا عقلانيًا بعيدًا عن العواطف، ومن هنا يمكننا عزيزي القارئ ترتيب أفكارنا سويًا وتقسيمها إلى خمسة محاور، وهي:
v    المحور الأول: ما الهدف من تسريب الامتحانات بهذا الشكل المزعج؟
v    المحور الثاني: كيف يجب أن تتعامل الحكومة مع الأزمة؟
v    المحور الثالث: من هو العدو الحقيقي للطلاب؟
v    المحور الرابع: لماذا كل هذا الخوف من الثانوية العامة؟
v    المحور الخامس: كيف يمكننا تطوير منظومة الثانوية العامة؟

ولنبدأ بالمحور الأول وهو "ما هو الهدف من تسريب الامتحانات بهذا الشكل"، وفي الواقع، أرى أن هذه الترسيبات لا تهدف إلى شيء سوى إحراج وزارة التربية والتعليم والنظام كله؛ فهناك اختراق للوزارة وتحدي قائم بالفعل من قبل بعض الأشخاص، ويؤكد على ذلك أن من يقوم بالتسريب لا يهدف إلى تحقيق أي ربح مادي، رغم الأموال التي يتم صرفها على عملية التسريب، حيث لم يتم بيع نماذج الامتحانات للطلاب، بل تم بنشرها على نطاقات واسعة، وللأسف قد يكون هؤلاء الأشخاص نجحوا في تحقيق غايتهم نتيجة تخبط ردود أفعال الحكومة.

ولعلنا من هنا ننتقل للمحور الثاني كيف يجب أن تتعامل الحكومة مع الأزمة؟، فتعامل الحكومة مع الأزمة اتسم بالتخبط في ردود الأفعال ولم يكن هناك إدارة جيدة لها، وفي الحقيقة أنا لا أعلم ما الضير من أن تقوم الحكومة لتعلن لنا أنها لا تعرف من الفاعل؟!، وأنها تقوم بأقصى جهودها للتعرف عليهم، وتشرح لنا جميعًا الإجراءات التي تتبعها في عمل أوراق الامتحانات والمراحل التي تمر عليها، ومن ثم يمكن تحديد من أي مكان سُربت، ولماذا لا تطلب وزارة التربية والتعليم من المواطنين مساعدتها في هذه القضية؟

ورغم أداء الحكومة المتخبط، إلا أنني أتعاطف معها من ناحية واحدة فقط، وهي اعتبار الطلاب لها العدو الحقيقي لهم، وبذلك نكون قد انتقلنا للمحور الثالث وهو: من هو العدو الحقيقي للطلاب؟، فلعلنا جمعيًا تابعنا المسيرات والمظاهرات التي نظمها طلاب الثانوية العامة منددين بإعادة الامتحانات وتأجيلها، وطالبوا بإقالة وزير التربية والتعليم، رغم أن هذا ليس التوقيت المناسب لذلك على الإطلاق، إذ يجب أن يقوم الوزير بنفسه بحل هذه الأزمة، وبعدها من الممكن أن يتم إقالته، فليس لدينا متسع من الوقت لاختيار وزير آخر يحل محله، ولكنني أود أن أؤكد للطلاب أن عدوهم الحقيقي ليس الحكومة وليس وزارة التربية والتعليم، بل عدوهم هو الذي سرب ونشر الامتحانات للجميع؛ فالتسريب لم يكن في الخفاء أبدًا، ولكنه انتشر لنكون أمام وضعٍ أُحرجت فيه الحكومة على حساب مستقبل الطلاب، وبالتالي ينقم الطلاب على الحكومة.

واسمح لي عزيزي القارئ أن أتطرق في ختام مقالنا إلى "منظومة الثانوية العامة"، ومن هنا ننتقل إلى المحور الرابع وهو: لماذا كل هذا الخوف من الثانوية العامة؟، فإذا نظرنا إلى منظومة الثانوية العامة، نرى إنها منظومة عقيمة وفاشلة مع كامل احترامي لكافة الآراء، فما هو الشيء الناجح الذي ترونه في نظام يعتمد كليًا على الحفظ والتلقين دون الفهم واستيعاب ما وراء المعلومة؟!، كما أن نظام الثانوية العامة يضعنا أمام ما يفرضه "مكتب التنسيق"؛ فالدرجات التي يحصل عليها الطلاب في تلك الامتحانات هي التي تحدد الكلية الجامعية التي يستطيع الطالب الالتحاق بها من خلال "مكتب التنسيق" والذي يتسبب في ضياع أحلام ملايين من الطلاب الذين قد يتمتعوا بقدرات في مجالات معينه يستطيعوا من خلالها أن يصبحوا أفرادًا منتجة تساهم في تقدم الوطن.

إذًا، فإننا نجد أنفسنا أمام منظومة تحتاج إلى التغيير والإصلاح، ومن هنا ننتقل إلى المحور الخامس والأخير وهو كيف يمكننا تطوير منظومة الثانوية العامة؟، ففي رأيي هناك أكثر من وسيلة يمكننا بها تطوير وإصلاح المنظومة، ومنها، إلغاء الدعم للثانوية العامة ووضعه في المرحلتين الإعدادية والابتدائية، بمعنى أن يقتصر الدعم ومجانية التعليم التي تقدمها الحكومة على الطلاب الحاصلين على أكثر من 80% في المرحلة الإعدادية، ومن هم دون هذه النسبة يفرض عليهم مصروفات لاستكمال تعليهم في المرحلة الثانوية.


كما يمكننا إلغاء التنسيق، وتفعيل نظام القدرات، وتحديث المناهج الدراسية، والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في التعليم، وليصبح نظام الثانوية العامة نظامًا عادلًا قائمًا على الفهم والإبداع، حتى نضمن وجود جيل سليم واعد يساهم في بناء وطنه. 

هناك تعليق واحد:

  1. سؤال لماذا يتفوق طلابنا في الثانويه العامه في النظام الدولي

    ردحذف