إلى متى نزيف الدماء؟!

"ميار" هي كلمة السر التي أخرجت المسؤولين من صمتهم، فنزيف دماؤها - القشة التي قسمت ظهر البعير- فأشعل حرب التصريحات ما بين النواب والمهتمين بقضايا المرأة مما أيقظ وزارة الصحة بضرورة إعداد مشروع قانون مستقل يغلظ فيه العقوبات من جنحة إلى جناية لمحاولة الشروع في القتل، وبهذا تكون هي المرة الأولى التي نشهد من خلالها إحالة المتهمين في وفاة ضحية ختان السويس "ميار" للجنايات.

"ميار" بنت الـ17 عام زهرة السويس مثلها مثل فتيات جيلها مفعمة بالبراءة تحلم بحياة وردية، ولكن سرعان ما ماتت أحلامها بقرار أهلها لتختينها في أحد المستشفيات الخاصة بالسويس لتصاب بهبوط حاد في الدورة الدموية وتلقي مصرعها، فهي آخر ضحايا جريمة التخلف المجتمعي وغياب القانون، لتسكن بجوار رفيقاتها السابقات من ضحايا الختان "بدور ونرمين وسهير وكريمة " وغيرهن الكثير والكثير من الفتيات اللاتي يتسترن أهاليهن على أسباب وفاتهن خوفًا من المساءلة القانونية.


لا أستطيع معكم أن أتخيل كم من فتيات في عمر الزهور يتم وأد أنوثتهن، بل نزع أرواحهن أثناء ارتكاب جريمة الختان، فرغم كل ما ينص عليه القانون من عقوبات وقيام المنظمات النسائية بتنظيم حملات توعية عن أضرار ختان الإناث إلا أنه لم يأتي بأي رجع صدى، فالتقرير السنوي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" يوضح أن 91 %من النساء التي تتراوح أعمارهن من 15 إلى 49 عامًا في قرى مصر تعرضن للختان، بينما وصلت نسبة نساء المدن اللواتي خضعن لهذا التشويه إلى 85 %. ووفقًا لتقرير المسح الصحي السكاني لعام 2014 فأن ٨٢% من عمليات ختان الإناث تمت على أيدى الأطباء ضاربين بعرض الحائط لجميع آداب المهنة ومتجاهلين لقانون العقوبات، فما ذنب هؤلاء الأبرياء في هتك عرضهن سوى أن عائلتهن تتمسك بمعتقدات وتقاليد باليه لا تمثل شيئًا سوى الجهل والتخلف؟!

 وما يثير دهشتي حقاً هو اعتقاد المجتمع بأن عملية  "ختان الإناث" تعد شعار الطهارة والعفة التي ستحمي الفتاة من الانحراف الجنسي، إلا أنها في الحقيقة تسبب العديد من الاضطرابات الجسدية والنفسية للفتيات لما يحمله هذا المشهد من قسوة وعنف وتشوهات لا يستطعن تحمله ويبقى هذا المشهد في ذهن الفتاه طوال عمرها ويجعلها ساخطه على أهلها وزوجها والمجتمع ككل، وهذا العرف المشوه تسبب في ارتفاع كبير لنسب حالات الطلاق والخلع بين الأزواج.

فالسؤال الذي كنت اتساءله دائماً منذ عشرات السنوات ، إلى متى سيظل نزيف الدماء وذبح أنوثة بناتنا؟! إلى متى سيصدر المسئولين قانون رادع  لكل مرتكبي عملية ختان الإناث ؟! إلا أن قامت هذه الحادثه البشعة في تصعيد القضية، حيث قدم المجلس القومي للسكان مذكرة بمشروع تغليظ العقوبة على جريمة ختان الإناث من عقوبة الجنحة إلى عقوبة الجناية وعرضها على مجلس الوزراء، تمهيدًا لرفعها للبرلمان.

والحقيقة أنها تعد خطوة فريدة من نوعها، ولكن أتمنى من السلطات التشريعية سرعة إقرار تنفيذ هذا القانون الذي ينص على السجن المؤبد للمتسبب في وفاة الفتاة نتيجة لعملية الختان ، إسوة بالضرب الذي يفضي إلى الموت مع سبق الإصرار، والمعاقبه بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه لكل من شارك أو قام بجرح أو قطع جزءاً أو كل الأعضاء التناسلية الخارجية لأنثى بغرض إجراء عملية الختان.   

وفي رحاب تلك الخطوات الفعلية نحو مكافحة جرائم الختان، ينبغي أن تتكاتف جهود جميع الجهات سواء المؤسسات الدينية ، ومنظمات المجتمع المدني ، ووسائل الإعلام وجميع المسؤولين في القيام بحملة قومية للقضاء على "ختان الإناث" في جميع محافظات ومراكز وقرى مصر لمحو تلك العادة البشعة من ذاكرة المجتمع من أجل "بناتنا" نصف المجتمع.


وأخيرًا أناشد جميع الآباء والأمهات أن يعيدوا التفكير ألف مرة قبل فعل تلك العادة البشعة، وأن يفكروا في الحالة النفسية التي ستعاني منها بناتهم طوال حياتهن ، فهم لا يدمرون بهذه العاده بناتهم فقط ، بل يدمرون المجتمع ككل .. فدماء هؤلاء الملائكة في رقابكم جميعاً. 


الموضوع منشور في الجمهورية أونلاين بتاريخ 19 يوليو 2016 

رابط الموضوع:

http://www.gomhuriaonline.com/main.asp?v_article_id=384008#.V44ak9mKSUk

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق