دور المعلم ومستقبل الطالب المصري. يدقان ناقوس الخطر!‏


بالصدفة وأنا أقلب في القنوات الفضائية بحثاَ عن فيلم عربي قديم أو أغنية قديمة، أستعيد بها ذكريات الزمن الجميل، ويقوم بتسليتي ويبعد عني الملل الذي أشعر به من ما أشاهده من تصرفات أرفض الكثير منها، وبتحويل المحطات ولسوء حظي شاهدت تقرير خارجي تعرضه إحدى برامج "التوك شو" يعرض حادثة تسمَرت أمام الشاشة وانفطر قلبي وأنا أسمع تفاصيلها، وهي عن مقتل تلميذة تبلغ من العمر 11 عاما، في الصف الخامس الابتدائي، بإحدى محافظات الصعيد تحديداَ محافظة سوهاج، نتيجة هجوم شاب مختل عقلياَ على المدرسة، ورمي الطلاب بالطوب والحجارة، وكان ذنبها أنها لم تستطع الهرب منه مثل باقي زملاءها في المدرسة، ما أدى الى سقوطها ومصرعها.
كان رد فعلي في تلك اللحظة هو إغلاق التليفزيون، حتى لا أسمع المزيد من هذه الجرائم، وبعدها بقليل لم أستطع النوم، فدخلت على إحدى مواقع التوصل الاجتماعي والتي أحرص على تصفحها بين الحين والآخر، لمتابعة ما يستجد من أخبار داخل وخارج الوطن، فزاد حظي سوءاً حينما شاهدت صورة فوتوغرافية تبعث عليّ الحزن والأسى، وأيضاً الحسرة على مستقبل شباب مصر، والصورة كانت بداخل إحدى المدارس بقليوب والتي توضح مدى الاستهتار الذي وصل به الطلاب لدرجه أنهم من باب الهزار والتهريج يحملوا طالب بالصف الأول الإعدادي ويرفعونه بالقوة ليلقونه من سور الدور الثالث، ليمر هذا التلميذ بأسوأ 5 دقائق رعباً في حياته كلها، والذي كان من الممكن أن يودي بحياته للموت في غمضة عين.
والمفجع بالنسبة لي أن هاتين الواقعتين الأليمتين حدثتا داخل المدرسة وفي غياب تام من إدارتها والمدرسين والموظفين التي يعملون بها، فالجريمة الأولى أكد إحدى طلاب المدرسة أنها تمت أمام مكتب مدير المدرسة، والجريمة الثانية التي كان من الممكن أن تحدث، أيضاَ تمت داخل المدرسة وأمام الفصول، كما تبين من الصورة.
المؤكد لي أننا أمام حقيقة واحدة وهي انتشار "الإهمال"، ولا أقصد هنا الإهمال الخاص بالأبنية التعليمية الآيلة للسقوط، أو الفصول المتهالكة ، أو انتشار القمامة والباعة الجائلين أمام المدارس، والتي تُعرض حياة 16 مليون طالب للخطر، بل أقصد هنا إهمال المدرسين والمشرفين والمديرين في مراقبة وتوجيه التلاميذ .
وللأسف يحزنني أن أقول أن الإهمال أصبح آفة في التعليم المصري منذ سنوات عديدة مضت، فمنذ بداية العام الدراسي الجديد لا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف والمواقع الإلكترونية بخبر وقوع حوادث متكررة لأطفالنا في المدارس، حيث يعودون إلى منازلهم إما مصابين او معاقين أو جثثا هامدة، وهذا على عكس المتوقع من البيئة المدرسية الآمنة التي ترعى الأطفال طوال اليوم الدراسي، فالمدارس أصبحت حالياَ الموت داخلها مستباح تحت مرمى ومسمع القائمين عليها.
فما هذا الاهمال الذي وصلنا إليه في مدارسنا بل في المنظومة التعليمية ككل ؟! فهذا الإهمال لا يمكن السكوت عليه ، فأين دور المعلم في التربية بجانب التعليم ؟! فمهنة المعلم تعتبر من أسمى المهن على سطح الأرض، فمن سمو مكانته شبهوها في تراثنا الثقافي بأنها أشبه بمكانه الرسل ، حيث إنه يحمل رسالة يبلغها للجيل الجديد من الأبناء الذين هم مستقبل مصر، فلولا المعلم لما وصل جميع العظماء وأصحاب المناصب العليا إلى المكانة التي وصلوا إليها ، فلولاه لما وصل العالم عالمًا، ولما وصل الوزير وزيرًا، ولما وصل الرئيس رئيساً ، فلماذا تراجع دور المعلم في السنوات الأخيرة إلى هذا الحد؟! فلا يمر عام دراسي إلا ونقرأ عن حوادث اعتداء على معلمين من قِبل أولياء الأمور أو الطلاب أنفسهم ، أو اعتداء معلمين على الطلاب سواء جنسياً أو جسدياًَ أو لفظياً ، فدور المعلم في مصر الآن يدق ناقوس الخطر.

فصورة المعلم المصري اختلفت عما كانت عليه من عشرات السنوات، حيث كان مربيًا ومعلماً وأباً لطلابه، يسقيهم الحكمة والأخلاق الحميدة كما يسقيهم المواد العلمية، أما الآن أصبحت صورة المعلم مقتصرة على تحصيل الأموال، في مقابل تلقين المعلومات بدون الإبداع في توصيلها للطالب، كما تحولت كليات التربية بالجامعات المصرية إلى أماكن لبيع الشهادات الجامعية، والجميع تناسي دور التربية التي هي أساس التعليم.

وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب انحدار مكانة المعلم هو عدم تأهيله بشكل صحيح يتناسب مع روح العصر، فما يتلقاه المعلم في كليات التربية يختلف تمامًا عن الواقع العملي الذي يصطدم به بعد تخرجه من الجامعة مباشرة.
وأكرر مرة أخرى أن المعلم صاحب رسالة، والذين يعتبرون التعليم مجرد وظيفة، وإنما مهمة عظيمة، سرعان ما يتركون المهنة بسبب انخفاض الأجور، فضلاً عن تدني مكانة المعلم وانخفاض نسبة احترام الطالب والمجتمع له.
وهناك عدد من التساؤلات التي دارت في ذهني خلال كتابتي لهذا المقال، والتي أود أن أوجهها إلى السادة المسئولين بوزارة التربية والتعليم، وأتمنى الرد عليها، فمن المسئول عما يحدث في هذه المنظومة وعن هذا الإهمال الجسيم الذي نشاهده؟ ومن سيُعاقب وما هي العقوبة العادلة في هذا الشأن؟، والأهم من كل هذا، ما هي الضمانات التي ستمنع تكرار وقائع الإهمال تلك؟ وما هي خطة الوزارة لتفاديها ومنع حدوثها في المستقبل؟.

وأخيرًا، فأنا أطالب السيد وزير التربية والتعليم، بوضع رؤية واضحة للمنظومة التعليمية ككل، وتدعيم هذه الرؤية ماليًا وأدبيًا وإعلاميًا وعمليًا، ويجب أن نتعاون سويًا لإصلاحها، بما يعمل على استرجاع هيبة المعلم ومكانته، وإعادة الدور الحقيقي له ولأساتذة الجامعة أصحاب الرسالة، لارتباطهم الوثيق بالتلاميذ الذين هم مستقبل الوطن، لكن المطالبات الساذجة بإقالة الوزير عند حدوث كل واقعه، معللين بأن هذا هو الحل في إنهاء الأزمة، فأنا أرفضها تماماَ لأن هذا يعتبر تسكين للأزمة وليس حل لها، فالحل يجب أن يكون جذري وفوري، وفي مثل هذه الحالات، يجب التحقيق الفوري مع مدير المدرسة والمشرف المسئول في ذلك الوقت، ومعاقبته بأشد عقوبة في القانون حتى إذا وصلت إلى الرفد ليكون عبرة لباقي المدارس الأخرى، وبالتالي لن يحدث تكرار لأي نوع من أنواع الإهمال خوفاَ من العقاب الشديد والفوري الذي يحدث.

 الموضوع تم نشره على موقع مصراوي بتاريخ 8 ديسمبر 2015

رابط الموضوع:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق