المرأة المصرية لا تقدر بثمن.. وقرار وزير العدل للردع والتحصين


خلال مطالعتي للصحف اليومية، لمعرفة ما يستجد من أخبار، وبطبيعة عملي في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي فتركيزي يكون على متابعة أخبار المرأة، قرأت خبرا استبشرت به خيراً ، حول إصدار المستشار أحمد الزند وزير العدل، قراراً خاصا بشروط زواج الأجنبي من المصرية، والذي اشترط أن يحرر الزوج شهادة استثمار في البنك الأهلي بقيمة 50 ألف جنيه، حال كان فارق السن بينهما أكثر من 25 عاماً.
كما لفت نظري تصدر هذا الخبر مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية الإخبارية، وهجوم عنيف من نشطاء ومتابعين وحقوقيين على هذا القرار، حيث اعتبر البعض أن هذا القرار يرسخ لزواج القاصرات وزواج المتعة، والبعض الآخر اعتبره إهانة للمرأة ويجعلها سلعة ولكن غالية القيمة، إلى غير ذلك من الآراء المشابهة المستنكره.
وفي قرارة نفسي استغربت كثيراً لرأي هؤلاء، ودار في ذهني عدة تساؤلات : هل أصحاب هذه الآراء منفصلون عن عالمنا، وعن طباع وعادات المصريين الموجودة منذ سنوات مضت؟ هل يعيشون في كوكب آخر لا يعرفون ما يحدث في أغلب البيوت المصرية وتفكير الآباء والأمهات؟...ألا يعرفون أن الزواج في مصر بصفه عامه يَعتبِر المرأة سلعة تُباع وتشترى؟
هل اكتشف الجميع فجأة أن تجارة زواج القاصرات ظاهره حديثة ؟هل لا يعلم الجميع أن هناك قري كامله يقوم ‏الآباء فيها بتزويج بناتهن الي رجال من الخليج يكبرهن بعشرات السنيين؟ .
فالمحزن أن في معظم الحالات يكون زواجا ‏مؤقتا بغرض التسلية فقط ، وعادة يستمر لفترة الصيف، بمعنى أدق فترة أجازته... وفي هذه الفترة يقوم هذا الكهل بتأجير شقه مفروشه في الإسكندرية أو ‏مكان آخر للزوجة الشابة التي تصغره بعشرات السنوات، لفتره ما حتي تنتهي فترة أجازته، أو حتى تضع حملها إذا حملت،. وبعدها يترك الفتاه والتي ترجع ‏لأهلها بدون زوج أو أب لطفلها أو مال يكفي للاعتناء بالطفل، وعادة ما يكون الأب الذي باع ابنته قد صرف ‏المقدم الذي حصل عليه من زواج ابنته أو بمعنى أدق من بيع ابنته، لأنه عادة ما يكونوا فقراء ويحتاجون لهذا المال.
وحقيقة أنه في معظم الحالات الزواج يكون عرفيا، أي يقوم به محام من فئه معروفه متخصص في صفقات ‏الزواج من هذا النوع، بالتالي فالفتاه المسكينة الذي يتراوح عمرها ما بين الـ 14 الي 16 سنه لا يكون لها أي حقوق ‏وفي كثير جدا من الحالات لا يعترف الأب حتي بالطفل خاصة لو كانت انثي وأحياناَ يأخذ الطفل الذكر.معه إلى بلده، لأننا في مجتمع ذكوري.
ويضاف إلى كل ما سبق، والذي لا يعلمه الكثيرين، ‏أن هناك بلاد شقيقه وضعت قوانين صارمه مفادها حرمان الأطفال من الجنسية في مثل هذا الزواج، ففي عام 2003 قامت احدى دول ‏الخليج بمنع مثل هذا الزواج علي رعاياها، الا بعد موافقة القنصلية مما عقد الامور ودفعهم بشكل أكبر ‏الي تجارة الزواج العرفي او العقود، التي يجهزها محامين صفقات .
وأريد أن أؤكد على أنه عند الانفصال في مثل هذا الزواج ، فلا يحق للزوجة اي نفقه ولو انكر الرجل الأبوة أو لم يكن متواجد وقت ولادة الطفل ‏يصبح الطفل بلا أب أو جنسيه لو الأب أجنبي. وحتي بعد ظهور تحليل الأنساب، وبالتالي يصبح الطفل بدون ‏جنسيه أيضا وربما بدون شهادة ميلاد.
ولأن الدولة المصرية لا تستطيع منع الزواج العرفي لأنه طبقا ‏للإسلام زواج شرعي، لذا فقد منعت الاعتراف بنتائجه في محاوله للحد منه، وللأسف يتحمل عواقبه الوخيمة في النهاية الزوجة الشابة، ‏وليس الزوج الكهل أو المخادع الذي يحصل علي كل ما يتمناه بلا أدنى مقابل.‏
وإنني أتعجب كثيراَ، من رد فعل من يستنكرون هذا القانون، ألا يعلمون أنه في أغلب البيوت المصرية "اللي عندها بنت على وش جواز" يفكر الأب في اليوم الذي ستتزوج فيه كريمته حتى يوفر مصاريفها، ويرتاح من عبئها، وعندما يختار زوج لها، يختاره بشروط لا حصر لها، أولها يختار من لديه شقة، ومن يستطيع أن يدفع مهر غالي تغطي متطلباته، ومن الممكن أن تحدث خلافات لا نهاية لها على من سيشتري السجاد و"النيش"، ولن ننسى خطوة "القائمة" والتي من الممكن أن ينتهي الزواج بسببها لأن أهل العروسة خاصة الأم، تحتاج إلى كتابة "قائمة" لإبنتها بمبالغ خيالية، لإستخدامها ضد زوج إبنتها لتهديده بها والذي من الممكن أن يصل هذا التهديد بالسجن في بعض الحالات لو خالف أوامرها وغدر بإبنتها، إلى جانب الشبكة التي تقدر بالكيلوهات من الذهب، ‏حتى تتباهى الأم بها أمام أقاربها.‏
ألا يسمى هذا السلوك الذي يحدث ببناتنا في أغلب البيوت المصرية "بيع وشروة"، مع الإشارة إلى أن هذا النوع من التفكير موجود ليس فقط في الطبقات الفقيرة، بل موجود أيضاً في الطبقات المتوسطة بل والأعلى، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، فجميعنا نراه يوميا أمامنا ولكننا دائماً لا نريد الاعتراف بالحقائق والتي أحياناً كثيراً تؤلمنا، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو يعيش في برج عاجي يرفض أن يرى الواقع.
فأنا أختلف تمام الاختلاف مع هؤلاء، فمن وجهة نظري أرى أن قرار وزير العدل أشبه بخطوة إيجابية لردع زيجات الأجنبي من مصرية، في محاولة لحماية بناتنا، وبالمناسبة هذا القرار ليس وليد اليوم، بل هو منذ عام 1994 وبدأ بـ25 ألف جنيه، وتطور إلى أن وصل إلى 50 ألف جنيه. فهذا القرار يعتبر نوع من الضمان للزوجة المصرية، التي تتزوج من أجنبي يفوقها بـ 25 عاماً، ولا يفسر التجارة بالمرأة ولكنه نوع من الحماية والعوض إذا حدثت مشكلة.
فعلى الأقل تأتي أهمية هذا القرار في أنه يعطي للآباء الذين يلجئون إلى هذا النوع من الزواج لفتياتهن الفرصة لاختيار الزواج القانوني الموثق للاستفادة من مميزات القرار، وضمان الشقة التي تستقر بها الفتاة، والنقود التي تضمن مستقبلها لفترة من الوقت، وبالتالي سيكون هناك بعد عن قرار الزواج العرفي الغير موثق الذي يضيع به حق الفتيات وأطفالهن، والذي يلجأ إليه الكثير من الآباء في المحافظات المختلفه من أجل الحصول على المزيد من المال الذي لا يتوافر عند كثير من الشباب ويتخيلوا دائماً أن حظ بناتهن في مثل هذا النوع من الزواج سيكون أفضل من غيرهن في احتمالية استمرار الزيجة إذا حدث حمل ووجود طفل خاصة إذا كان ذكر، ولكن كل هذا يذهب مع الريح، وتكون الصدمة الكبرى مع سفر الزوج والذي لا يستطيعون الوصول إليه مرة أخرى حتى لو تم اللجوء إلى القنصلية لرفض الكثير من البلاد لمثل هذا النوع من الزواج، إلى جانب رفض إعطاء الجنسية للأطفال إذا وجدوا.
ففي حلات الزواج القصيرة المدة تلك، أهل الفتاة فقط هم المستفيدين بهذه المبالغ، والفتاة غالباً ما تقع ضحية لطمع أهلها، ولا تدرك فارق السن بينها وبين الزوج، وتكون النتيجة زوجة مطلقة بلا مأوى، وأطفال مشردون بدون عائل.
وأقول مرة أخرى لمن يرفضون ويستنكرون هذا القرار أن هذه الظاهرة موجوده على أرض الواقع ولا نستطيع إخفاؤها أو أن نعطي لها ظهرنا، ولكننا يجب علينا التعاون في تحجيم هذه الظاهره ، فإذا أردنا بشكل جدي أن نحد منها ، فيجب علينا أن نلجأ لحلول جذرية وأن نبدأ من البدايه بوضع بعض الحلول والنقاط ، وسألقي الضوء عليها أملاً في تناولها بعين الاعتبار وذلك لمن يهمه الأمر:
أولها: أن معظم الزيجات التي تتم مع العرب تكون تحت سن قانونية لأن الزواج غير معلن، والمأذون يحتفظ بقسيمة الزواج، والتي لا يقوم بالفعل بتوثيقها، ولا يكون هناك أدنى اعتراض من جانبه، وهذا مرفوض تماماَ، ولا أقبله، وأرى أنه يجب معاقبة هذا المأذون الذي يقوم بهذا الجُرم تحت مرمى ومسمع من الجميع، حتى يكون عبرة لمن مثله وبالتالي سنمنع تكرار هذا الموضوع من جذوره.
ثانياَ: أن تصدر قوانين تعاقب هذا النوع من الزواج ، وتقاضي الأب الذي يزوج ابنته بهذه الطريقة.
ثالثاَ: وهذه نقطة هامة أحب أن أشير إليها وهى خاصة بالمحامين المتخصصين في صفقات الزواج المشبوهة ، فهؤلاء يجب تغريمهم وشطبهم من مهنة المحاماة .


وفي النهاية أود أن أؤكد على أهمية احترام المرأة المصرية، واحترام كرامتها، والتعاون جميعاً لمقاومة الأفكار الداعشية والهدامة من المجتمع الذكوري الذي نعيش به والذي يحتقر المرأة ويعتبرها مجرد وعاء للذكر ، ويحقر من شأنها ويعتبر أن صورتها وصوتها عوره ، فهذا لا يليق بالمرأة التي هي نصف المجتمع، ويجب أن نتكاتف جميعاَ لحل مشاكلنا، ولا نتحدث من أبراج عاجيه وكأننا منفصلين عن الواقع الذي نعيش به ، بل علينا مساعدة الدولة في وضع حلول جذريه لهذه المشاكل في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

الموضوع تم نشره على موقع الجمهورية أونلاين بتاريخ 11 ديسمبر 2015

رابط الموضوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق