ساندوا الرئيس في تجديد الخطاب الديني


واقعة 1:  الحكم على ثلاثة أطفال من محافظة المنيا بالسجن لمدة خمس سنوات، وطفل آخر حُكِم عليه بالإيداع لدى مؤسسة عقابية للطفل؛ وذلك كعقاب لهم على مقطع فيديو ساخر قاموا بعمله للسخرية من الممارسات الداعشية العنيفة التي مارسوها تجاه أخوانهم المصريين الأقباط في ليبيا العام الماضي، ولكن تم تأويل هذا الفيديو ليتم اتهام هؤلاء الأطفال بأنهم يسخرون من شعائر صلاة المسلمين ويثيرون الفتن ويكدرون السلم العام!!

واقعة 2: وقف برنامج الإعلامية/ أيتن الموجي مقدمة برنامج "ملفات ساخنة" على شاشة الفضائية المصرية؛ بسبب غضب الأزهر على خلفية استضافتها للباحث الإسلامي/ سيد القمني الذي طالب في الحلقة بضرورة إلغاء قانون إزدراء الأديان، رغم أن الإعلامية أكدت أنها سبق وأن طالب به كل من النائبة/ لميس جابر والنائبة/ آمنة نصير والكاتب/ مكرم محمد أحمد خلال استضافتها لهم في حلقات أخرى، كما تم توجيه العديد من الإتهامات لها، مثل، الدفاع عن البهائين والأقليات الدينية!

واقعة 3: الحكم على الباحث الإسلامي/ إسلام البحيري بالحبس لمدة عام  بعد استئنافه للحكم السابق الصادر بشأنه والذي كان بالحبس لمدة 5 سنوات، بتهمة إزدراء الدين الإسلامي، بعد أن شكك في بعض كتب وروايات التراث الديني الإسلامي ومؤلفيها حسب ما يرى الأزهر!

هذه الوقائع الثلاث حدثت خلال الفترات الماضية، لتبرز لنا حجم الفاجعة التي توصلنا إليها، وما آل إليه وضعنا مؤخرًا من وجود عراقيل أمام ما يسعى إليه الرئيس/ عبد الفتاح السيسي من تغيير الخطاب الديني، الذي في ظل كل هذه المعطيات السابقة وغيرها يحتاج فعلًا إلى تجديد.

وهذه المعطيات أيضًا تؤكد وتثبت أن الرئيس/ عبد الفتاح السيسي يحاول ويجاهد وحده في هذه الحرب، التي وصلت إلى حد استغلال بعض الوقائع واتخاذها ذريعة لاتهام بعض الباحثين بتهمة إزدراء الأديان، وحبس أطفال أبرياء بتهمة إزدراء الأديان، ووقف برنامج إعلامي لأنه تضمن محتوى يزدري الأديان!

والحقيقة أن بقراءة الوقائع الثلاث سالفة الذكر نجد أنها ناجمة بشكل كبير عن واقعة رابعة تعرضنا إليها جميعًا بشئ من الصدمة عندما خرج علينا الأزهر الشريف في ديسمبر 2014 ببيان يؤكد فيه أنه لا يجوز تكفير تنظيم داعش مهما بلغت سيئاتهم، طالما يشهدون بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وكانت الحجة التي اتخذها الأزهر سندًا لرفضه تكفير هذه الجماعة الإرهابية "داعش" نصًا: "لو حكمنا بكفر داعش لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير، وهو ما لا يمكن لمنهج الأزهر الوسطي المعتدل أن يقبله بأي حال"!، وحقيقةً لا أفهم فلسفة ومنطق الأزهر في هذا البيان، وكأن الأزهر يرى في تكفير "داعش" تهمة يجب أن يتبرأ منها!، وكأن هذه الجماعة الإرهابية بأفعالها البشعة ليست بكافرة، فكلنا يدري ويعلم أن هذه الجماعة بجرائمها وتكفيرها للمسلمين، هم الكافرون ولا يمتون للإسلام بأي صلة.

ورغم أن الأزهر الشريف في مصر يشتهر بوسطيته وإعتداله الديني وتطبيقه لتعاليم ديننا الحنيف الذي لا يزدري الأديان، ويؤكد في آيات قرآنه العظيم أنه لا إكراه في الدين وأن لكل طائفة دينها، إلا أنه لم يصب حينما اتهم الباحثين بازدراء الأديان، مثلما اتهم الباحث/ إسلام البحيري بتهمة إزدراء الدين الإسلامي على خلفية تشكيكه في كتب وروايات التراث الديني الإسلامي ومؤلفيها، حسبما يرى الأزهر، والتاريخ يتلو علينا أن الأزهر سبق له وأن كفّر أدباء ومفكرين بثقل طه حسين، ونجيب محفوظ، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد؛ لأنهم مسوا قداسة الدين الإسلامي!، ولكنه يرى أن ما ترتكبه "داعش" لا يمس قداسة الدين الإسلامي!، فالقتل وسفك الدماء والإرهاب العقلي والديني، وإجبار الأشخاص على تغيير ملتهم، وقتلهم لمجرد اعتناقهم دينًا آخر لا يشوه صورة الإسلام؟!

وهو نفس المنطق الذي جعل الأزهر يغضب ويثور على التصريحات الإعلامية التي أطلقها الباحث الإسلامي/ سيد القمني والذي طالب من خلالها بضرروة أن يقوم البرلمان بإلغاء قانون إزدراء الأديان، ومن ثَم تم وقف البرنامج الذي استضاف هذه التصريحات!، وهذا ما يجعلنا نتسائل لماذا ما زالنا نسري على قانون إزدراء الأديان، وما الذي يجعلنا نطبق هذا القانون على أطفال صغار أبرياء يسخرون فقط من الممارسات الداعشية وليس من الممارسات العقائدية الخاصة بديننا الإسلامي؛ تعبيرًا عن غضبهم بعد ما قام به تنظيم داعش من قتل إخوانهم من المصريين الأقباط في ليبيا العام الماضي، رغم أن ديننا الحنيف يروي علينا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كيف أن النبي قابل إيذاء جاره اليهودي له بالإحسان، وذلك لأن التسامح والإحسان من شيم نبينا وديننا الحنيف.

والحقيقة أننا مؤخرًا أصبحنا أمام "استغلال" سئ لهذا القانون الذي يجب إلغائه من الأساس؛ ومن يدفع ضريبة هذا الاستغلال هو الرئيس/ السيسي الذي كما وضحت سابقًا أنه يحاول بكل جهده تجديد الخطاب الديني، إلا أنه وللأسف لم يجد المعاونة من قبل المؤسسات المعنية بذلك، بل أنهم أصبحوا يضعون الموانع والعراقيل أمام تحقيق هدفه في ذلك، وإذ يجب على مؤسسة الأزهر الشريف أن تساند الرئيس في معركته وتتعاون معه على تحقيق هدفه من تجديد الخطاب الديني، الذي أصبح حاجة ملحة وضرورية، لأن سمعة ديننا أصبحت على المحك أمام العالم نتيحة ممارسات هؤلاء الذين يتشبثون بعباءة الدين لتبرير أفعالهم الإرهابية العنيفة رغم أن كل ذلك بعيد كل البعد عن ديننا الإسلامي الوسطي الجميل الداعي للسلام.

وأؤكد لسيادة الرئيس أن الشعب معه وخلفه في أي حرب يخوضها وحده دون مساندة بعض المؤسسات والمنظومات الحكومية التي تحتاج وبشدة للتطهير من أي عناصر تريد بهذا الوطن خرابًا وفسادًا وإضمحلالًا.

لذا يا سيادة الرئيس كن حازمًا مع هؤلاء ممن لا يريدون لمصر أن تنهض ..حتى لا يفسر البعض من المرضى والكارهين للبلد بأن أخلاقكم العالية ضعف.


رابط  الموضوع منشور في الجمهورية أونلاين 29 فبراير 2016: 


هناك تعليقان (2):

  1. الحقيقة إن مصر من مدة وهي محتاجة تجديد في الخطاب الديني بالذات بعد ما الإخوان مشيوا وبقوا بيرجوا لفكرة العنف وربطها بالدين

    مع إن دينا مش كده

    مقال سليم

    سلمت يداكِِي يا دكتورة

    ردحذف
  2. العيال صعبوا عليا جدا حاجة تقطع القلب

    ردحذف