رأيناه يسجد على الأرض ليُقبل أرض بلد غير وطنه بعد تخليه عن جنسيته المصرية!، رأيناهم يمشون كالثكالى بعد قرار تهجيرهم من قريتهم "كفر درويش" التابعة لمركز الفشن ببني سويف!.. كلا المشهدين بهما من المرارة ما يكفي لكي نشعر بالحزن والقهر؛ القهر من افتقاد البعض لانتمائهم لوطنهم مصر وتخليهم عن جنسيتهم المصرية هكذا بسهولة، والقهر على إناسٍ بسطاء  تقرر مصيرهم بإبعادهم عن منازلهم!.

والحقيقة أننا نعيش اليوم في جو مملوء بالمفارقات، والمقارنات والاختلافات باتت أكثر وأشد وضوحًا؛ فالوقت الراهن يجعلنا نعي من هم المصريون حقًا، ومن منهم لا يستحقونها، ويجعلنا نعي من يؤجج الإرهاب والتفرقة والفتنة، ومن يعمل على إخمادها، وقد يبدو لك عزيزي القارئ أن حديثي مبعثر وغير مفهوم كحال ما نعيشه، ولكنني سأحاول قدر الإمكان أن أنظم معك في هذه المقال ما يحدث؛ لعلنا نصل إلى ضالتنا ونفهم بالضبط حقيقة ما يحدث الآن؟.

ودعنا نبدأ بما فعله الشاب الذي يدعى محمد سلطان، والذي تخلى عن جنسيته المصرية، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنراه وهو يسجد على أرضها ويقبلها، هذا المشهد أصابني بالاستفزاز والاستعجاب، ففي الوقت الذي يقدم فيه وطننا الكثير لنا، يجد من يمقته ومن يتخلى عنه، ومن يقدّر أرض غير أرض هذا الوطن!، فأين احساس الانتماء بالوطن، كيف ننميه لدى أطفالنا وهم يطالعون معنا هذه اللقطات المستفزة، وفي الوقت أيضًا الذي يضحى فيه فريق من أبناء الوطن بحياته في سبيل حماية وطنه، ويجود آخر بأنفاسه في سبيل حفر قناة، تجد فريقا ثالث شاذ وطنيا يتبرأ من دمائه ويتجرد من جنسيته ويهديها للرياح في مقابل الفرار والهروب الآمن من أحكام القضاء، أقول ذلك وأنا اعلم جيدًا أن هذا ليس بجديد على شخص ينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية، وأن فكرة الانتماء للوطن غير موجودة في خلفيات الإخوان، ولكنني رغم ذلك أصبت بالذعر الشديد على تأثير مثل هذا المشهد علينا وعلى أبناءنا.

فالخوف ناجم بشكل أساسي من استغلال الإخوان الإرهابيين للقانون الذي أقره الرئيس/ عبد الفتاح السيسي في نوفمبر الماضي، والذي ينص على تسليم المجرمين الأجانب ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وفقًا للقوانين والاتفاقيات الدولية الموقعة من جانب الحكومة المصرية المنظمة لتلك العملية.

 فـ"سلطان" الذي حُكم عليه بالمؤبد في قضية غرفة عمليات رابعة ليشهر الجنسية الأمريكية ويتجرد من الجنسيه المصرية ليصبح مواطنا أمريكيا يبيع كل شئ بثمن بخس في سبيل الفرار من أحكام قضية "غرفة عمليات رابعة"، ومحمد فهمي، المصري الذي عمل مراسلا لقناة الجزيرة مباشر والمخلي سبيله بقضية "خلية الماريوت"، المتهم فيها ببث أخبار كاذبة عبر قناة الجزيرة القطرية، أيضا من الذين تنازلوا عن الجنسية المصرية واحتموا بجواز السفر الكندي كمحاولة للفرار من الأحكام التي عليه.

جوالأسئلة التي يجب أن نجد إجابة عليها هي، هل الاتفاقيات الدولية غير منصفة وباتت مجحفة وقضت على الحق في الثأر ممن احرقوا الوطن ؟! فلما كان أغلب القيادات الإخوانية الموجودة حاليًا في السجون تحمل جنسية أمريكية، فهل سيأتي الوقت الذي نراهم يفلتون بعقابهم مثلما فلت "سلطان"؟! ألم يتحقق القصاص الذي نتمناه؟!، أتمنى ألا يتم ذلك، وأن يأخذ كل شخص إرهابي قسطه من العقاب الذي تقرره العدالة والقضاء، فلا نجد من يهربون ويعيشون في أوطان أخرى، دون أي عقاب يقع عليهم.

نأتي للجانب الآخر من المقال، وهو ما وقع إلى 6 أسر قبطية من بني سويف من تهجير قسري من منازلهم جراء خلاف حدث بسبب تصرف من أحد أبناء هذه الأسر المقيم بدولة الأردن لإعجابه بإحدى الصفحات بموقع التواصل الاجتماعي اعتبرها أبناء القرية مسيئة للمسلمين!

ورغم أن الدستور حرم التهجير القسري في مادته رقم (63)، التي نصت على: "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صورة وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم"، إلا أننا شهدنا هذه الجريمة النكراء ترتكب بعلم وحضور مسئولين بالدولة، الذين وافقوا على هذه الجريمة، ومن بينهم عمدة القرية وبعض الجهات الأمنية!، كيف يمكن لنا إذن أن نتصور حدوث ذلك بحجة حمايتهم؟!

التاريخ يؤكد لنا أن الأقباط تحملوا هذه الممارسات من قبل في مختلف العهود، وتمنوا كما نتمنى جميعنا أن تنتهي هذه اللحظات المريرة، خاصة بعد أن ذهب الرئيس السيسي بنفسه في أول زيارة رسمية لرئيس مصري إلى الكاتدرائية لتقديم التهنئة في عيدهم.

ومن هنا، أطالب الرئيس السيسي والحكومة بالتدخل الفوري لحل هذه الأزمة، حتى لا نعطي فرصة لمؤججيّ الفتن الطائفية بالتدخل وإثارتها خلال هذه الفترة الراهنة، التي تستلزم توحدنا وتضافر جهودنا من أجل البناء.
وفي النهاية يا عزيزي القارئ، أستطيع أن أؤكد لك أن ما وقع في هذين المشهدين اللذين قمت برصدهما معك من خلال هذه المقاله، ما هو إلا نتيجة لأزمه تطبيق القوانين، فالواقعة الأولى، قام باستغلال القانون بشكل بحت للهروب من أحكام القضاء، والواقعه الثانية جاءت لعدم تطبيق قوانين الدستور لنرى حالات التهجير القسري للأقباط.


وفي النهاية، أتمنى أن نصل إلى المرحلة التي نطبق فيها القوانين دون استغلال له ولثغراته، وأن نشعر بالفائدة والجدوى التي وضعت من أجلها، وليس ما تقصده نفوسنا من عوائد خفية قد تضر بوطننا الحبيب.


تم نشر الموضوع على أخبار اليوم بتاريخ 10 مايو 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق