"زويل" .. حلم لا يموت

"أريد أن أخدم مصر في مجال العلم وأموت وأنا عالم"، تلك المقولة هزتني حينما قالها العالم المصري الدكتور أحمد زويل أثناء تسلمه شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2005 آنذاك والتي تعكس شجاعته وطموحه وحبه وانتماءه لبلاده، والآن أصابتني تلك الهزة ولكن لما شعرت به من الألم والفقدان لرحيله عن عالمنا بمقولاته التي كان يرددها في العديد من اللقاءات باعثًا روح الانتماء والأمل والطموح وأهمية العمل الدؤوب للشباب.

فجاء خبر الوفاة صدمة كبيرة تلقاها الشعب المصري، صدمة رحيل العالم المصري الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن اختراعه "فيمتو ثانية" بالإضافة إلى حصوله على 31 جائزة دولية، وأيضا مساهمته في تأسيس "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" التي تعد إضافة لمنظومة البحث العلمي، تلك الصدمة أثارت في عقلي العديد من التساؤلات منها لماذا لا تتكاتف جهود علماء مصر لتحقيق نهضة تنموية في شتى المجالات؟! وما هو مستقبل البحث العلمي بعد وفاة العديد من علماءنا الكبار؟! وهل هناك جيل مبدع ومبتكر يكمل مسيرة العلماء الكبار في البحث العلمي؟! ومازال هناك العديد من علامات الاستفهام التي أثارتها وفاة عالم الذرة الكبير الدكتور أحمد زويل حول مصير البحث العلمي والنشء القادم في مصر.
فالمئات من أبناء مصر النوابغ يحتلون مكانة علمية متقدمة في تخصصات علمية نادرة في الخارج، وفقًا لتقرير صادر عن اتحاد المصريين بالخارج عام 2013، حيث أوضح أن عدد العلماء المصريين في الخارج يبلغ نحو 86 ألف عالم، وكذلك يوجد 3 آلاف عالم مصري في أمريكا في كافة التخصصات، وهناك 1250 عالم في التخصصات النادرة نسبياً، مثل الهندسة الوراثية وفيزياء الفضاء والفيزياء الطبيعية والكيمياء الطبيعية والنانو تكنولوجي والهندسة الوراثية والاقتصاد والرياضيات وغيرها من التخصصات النادرة.

ومن منطلق شغفي وحبي لمصر، أتساءل لماذا لا يتعاون كل هؤلاء العلماء المصريين من أجل تحقيق نهضة علمية واقتصادية للنهوض بالبلاد لنستفيد من خبرتهم
ومن علاقاتهم الدولية والعربية في توفير الدعم اللازم سواء الدعم المادي أو الفني أو العلمي لإجراء العديد من الأبحاث والدراسات التكنولوجية التي من شأنها أن تساهم في تطوير المخترعات الحديثة بما يتلاءم مع أرض الواقع لحل العديد من المشكلات التي تقابلنا، لضمان تحقيق نقلة علمية  واقتصادية في مصر؟!
وهذا ما كان يحلم به "زويل" أن يرى مصر دولة خيالها بلا حدود تحارب الفشل بالفكر والإبداع.. تتبنى الاستثمار في العلم وتمتلك صناعة النجاح ومواجهة الواقع.. تلتحم فيها مراكز ومعاهد البحث العلمي دون العمل في "جزر منعزلة"، فالوقت ليس في صالحنا لرحيل العديد من علماءنا الكبار القدوة والمثل الأعلى في مجالات البحث العلمي، فينبغي سرعة التكاتف والتعاون لتحقيق الحلم ، وليس فقط التعاون من أجل إحداث نقلة علمية، بل الاستفادة من خبرتهم في تطوير برامج وطرق التعليم والتوسع في استخدام الوسائط المتعددة لإعداد أجيال جديدة من أصحاب المهارات والقادرين على استيعاب تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها في خدمة التنمية ومواكبة ثورة المعلومات.
فالكل يعلم أن قوة أي دولة في شبابها الذي يعد الثروة البشرية، وهذا ما تزخر به مصر خاصة أن أكثر من 55% من تعداد السكان تحت سن الأربعين، مما يتطلب الأمر اهتمام خاص بالجيل القادم من خلال الارتقاء بجودة التعليم، والعمل على بناء شخصية النشء وتسليحهم بالعلم لحمايتهم من الأفكار الهدامة والمضللة، وتشجيع الطلاب المصريين ذوي المواهب العلمية على مواصلة أبحاثهم وابتكاراتهم.
ولكن ما يؤرقني كيف ننشأ جيل مبدع ومبتكر مثل جيل العظماء من أمثال  زويل ، وفاروق الباز، والروائي نجيب محفوظ، وطه حسين والصحفي محمد حسنين هيكل وغيرهم من المفكرين والأدباء والعلماء؟! والتي ترفرف أسمائهم كأعلام مصرية في المحافل العربية والدولية، الذين تعلموا في مدراس مصر الحكومية، وهذا إن دل على شئ فيدل على مدى الاهتمام بالتعليم آنذاك من مواد تعليمية وتشجيع الطلاب على العلم والبحث العلمي، فضلًا عن وجود القدوة الحسنة "المعلم" الذي كان خير مثال يحتذي به الطلاب في غرز قيم الانتماء والمشاركة وحب العلم وحب البلاد، هذا ما نفتقده الآن في مدارسنا ونريد تحقيقه لتخريج جيل واعي ومستنير مثل جيل هؤلاء العظماء.
ولكن كيف سيتحقق هذا في ظل سيطرة مشاهد العنف والبلطجة والسلوكيات الخاطئة التي تبثها القنوات الفضائية من خلال الأفلام والمسلسلات على عقول أطفالنا وشبابنا المراهق؟! والذي يقلد الأعمال الفنية تقليد أعمى ويتقمص الأدوار الغريبة، فما نراه من تصرفات هؤلاء الأطفال سواء من خلال قصات الشعر الغريبة وارتداء ملابس غير ملائمة فضلًا عن أسلوبهم في التحدث وردود أفعالهم العنيفة، هذا سيدفع إلى تخريج نشء فاسد غير مفيد لبلاده.

ولذا علينا أن نضع رقابة على أنفسنا أولًا بمنع أطفالنا جيل المستقبل من مشاهدة مثل تلك الأعمال الفنية سيئة المضمون، بالإضافة إلى تحرك الدولة بفرض الرقابة على ما يعرض على شاشات التليفزيون من أفلام ومسلسلات خارجة عن الإطار العام للمجتمع، خصوصًا أن هناك نسبة كبيرة من المشاهدين أطفال ومراهقون تصل نسبتهم إلى 60% من إجمالي المجتمع، وهم الأكثر عرضة وتأثرًا بالأعمال الفنية، فالدراما والإعلام عليهم مسئولية كبيرة في تربية المجتمع وتنشئته.
وفي الختام رحل زويل وبَقى علم ينتفع به لخدمة البشرية جمعاء.. رحل زويل وترك مؤسسة علميه عظيمة يردد الباحثين فيها إسمه من خلال علمه، ليكون خير دليل لأفراد المجتمع أجمع على أهمية العلم إيمانًا بدوره في الارتقاء بحياة الشعوب، فأرجوكم علينا الاهتمام بأجيالنا من الأطفال والشباب وحثهم على أهمية البحث العلمي وتشجيع مهاراتهم وتنمية إبداعاتهم لأنهم هم عماد المستقبل وصناع التنمية.

الموضوع منشور بتاريخ  24 أغسطس 2016 في الموجز

 http://www.elmogaz.com/node/316804

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق