الفساد ليس وليد اللحظة

كمواطنة مصرية أحب وطني كثيرًا، أجد العديد من الأحداث والقضايا التي باتت تؤرقني وتستفز عقلي الذي لا يتقبل تأويل البعض وتحليلاتهم الخاصة لها، وكما تعودت أعزائي القراء أن أشارككم كل ما يشغل بالي؛ فأنا أرى أنه من الأنسب لنا أن نُجري حوارات مستمرة فيما بيننا ونتشارك تفكيرنا لعلنا نصل إلى نقطة نور في واحدة من القضايا التي تشغل الرأي العام وهي قضية "فساد التموين".
وأسمح لي عزيزي القارئ أن أوجه من خلال هذا المقال رسالة إلى الجميع:
إلى الأحباء قبل الأعداء... إلى الأصدقاء
"تابعنا جميعًا ما تطورت إليه الأمور والأحداث في قضية "فساد منظومة القمح"، وبالتأكيد رأينا أنه تم إخلاء سبيل المتهمان في هذه القضية بكفالة 500 ألف جنيه على ذمة التحقيق ومنعهما من السفر، مع دفعهما لما مجمله 157 مليون جنيه.
وقد تابعت ما أثاره وكتبه بعض الشخصيات التي أقدرها واحترمها كثيرًا بخصوص هذه التطورات، حيث وجدت "استهجان" من قبلهم للقرارات السابقة، نتيجة عودة المتهمين إلى منازلهم دون محاكمة!، واتهام الدولة بأنها تشجع الفساد!
ولأنني أحب أن أحلل وأدرس الأمور والأحداث من حولي بطريقة مهنية وموضوعية قبل أن ألقي بالأحكام جزافًا؛ فقمت بسؤال مجموعة من القضاة والمحامين بالإضافة إلى شخصيات ضالعة في مثل هذه القضية.
فإذا قرأنا التفاصيل بعناية سنجد أنه بالفعل تم إخلاء سبيلهما ولكن على النحو التالي:
أولًا: بكفالة قدرها 500 ألف جنيه.
ثانيًا: مازالا على ذمة التحقيق.
ثالثًا: ممنوعين من السفر.

رابعًا: والأهم أن كلاهما سدد للدولة 157 مليون جنيه، وبالمناسبة أنا أؤيد وبشدة عودة الأموال للدولة مرة أخرى، فبالتأكيد أنها ستكون مفيدة أكثر من ترديد الشعارات الكاذبة.

ودعنا عزيزي القارئ أن ننتقل في رسالتنا إلى قضية الفساد بشكل عام، وسوف نتناولها طبقًا للمحاور التالية:
·        المحور الأول: قضية الفساد في مصر.
·        المحور الثاني: كيف تحارب الدولة الفساد حاليًا؟
·        المحور الثالث: نماذج دولية في محاربة الفساد.
فلنبدأ بالمحور الأول وهو قضية الفساد في مصر، فكلنا نعلم أن منذ ما يزيد عن 40 عامًا والدولة رخوة وتعاني من غياب التفكير والعقل وعدم الانتماء والجهل، وهو ما أدى إلى نمو "الفساد" في مناحي الدولة، ولكن أكثرهما تفشيًا وتوغلًا هما فساد وزارة التموين والمواد الغذائية وفساد وزارة الإسكان، فكلاهما متفشيين منذ عقود عديدة، وفي حقيقة الأمر، نحن نعرف عن هذا القصور والفساد نتيجة قيام الدولة حاليًا بحملات موسعة للكشف عن أي فساد يحدث بها.
ولعلنا من هذه النقطة ننتقل إلى المحور الثاني وهو "كيف تحارب الدولة الفساد حاليًا؟"، والحقيقة أن الدولة جادة في محاربتها للفساد، وأؤكد أننا الآن بتنا نعلم بهذه التفاصيل؛ لأن الدولة تحاربه وليس لأنه حديث العهد بنا، فكفانا ضحكًا على أنفسنا!، ودعنا نتناول سويًا عزيزي القارئ أبرز ما تقوم به الدولة في حربها على الفساد، فمثلًا في سبيل قضائها على الفساد في منظومة السلع الاستهلاكية، تتبنى الدولة استراتيجية خاصة تقوم بشكل أساسي على محاربة جشع التجار، ولعل هذا ما تم تطبيقه مؤخرًا في قضية "لبن الأطفال" حيث قامت القوات المسلحة بالتنسيق مع وزارة الصحة بشراء عبوات ألبان للأطفال وبيعها للمواطنين  بسعر (30) جنيهاً بدلاً من (60) جنيهاً، أي بنسبة تخفيض تصل إلى (50%)، وذلك بعد قيام "الشركات المختصة باستيراد عبوات لبن الأطفال" باحتكار العبوات؛ للمغالاة في سعرها.
كما لجأت الحكومة لتطبيق منظومة "الكروت الذكية"، لتوزيع الدعم فى كثير من الخدمات والسلع الأساسية، كوسيلة لضبط نفقات الدعم ووصوله لمستحقيه؛ مثل الخبز والسلع التموينية وسيتم تطبيقها على البنزين أيضاً، وغيرهم من الخدمات والسلع المقدمة للمواطن بدعم من الدولة، كما أن القوات المسلحة قامت بعمل مجمعات استهلاكية للسلع الأساسية التي يحتاجها المواطن بأسعار زهيدة مثل الدجاج واللحوم، وهو ما ساهم في الحد من جشع وتسلط التجار واستغلال الأحداث لرفع الأسعار وتزويد معاناة المواطنين، وحقيقة القول يا عزيزي القارئ أود أن أؤكد لك أن المشكلة الأساسية تنبع فينا جميعًا كشعب، فسواء كان هناك جشع من التجار أو فساد من موظفيّ الحكومة فهذا معناه أنه منا نحن، لأنهم بالأساس من الشعب.
كما تتخذ مصر إجراءات صارمة وخطوات عديدة في حربها على الفساد، فالرئيس السيسي منذ توليه للحكم وهو يأخذ على عاتقه محاربة الفساد بكل السبل، مثل القضاء على رؤوس الفساد في الوزارات المختلفة، ففي سبتمبر من العام الماضي تم إلقاء القبض على وزير الزراعة في كبرى قضايا الرشوة في الوزارة، وهذه الواقعة تعد ترجمة حقيقية لما قاله الرئيس السيسي في إحدى خطاباته: "اللي يمد إيده على فلوس المصريين هيتسجن".
كما أن الرئيس أصدر قرار هام جدًا لمحاربة الفساد وهو اعتبار أن قرارات لجنة استرداد الأراضي ملزمة لجميع جهات الدولة، وقد نجحت لجنة استرداد أراضي الدولة في أقل من 7 شهور في إعادة 58 ألف فدان مغتصب، ودخلت خزينة الدولة 164 مليون جنيه، مع بدء تقنين 200 ألف فدان، و600 مليون جنيه من واضعي اليد، وتحصيل 2.3 مليار جنيه من "السليمانية"، وهي قيمة مخالفات تغيير نشاط الشركة من زراعي إلى عمراني وهو ما يضمن دخول هذا المبلغ خزينة الدولة فى أقرب وقت.
ومثل هذه القرارات الصارمة أدت إلى ارتفاع مرتبة مصر في مؤشر مكافحة الفساد من المرتبة 114 إلى المرتبة 94، وذلك طبقًا لتقرير منظمة النزاهة والشفافية التابع للأمم المتحدة عام 2015.
ومؤخرًا، صدر قرار يلزم الهيئات العامة بإغلاق حساباتها ونقل أرصدتها للبنك المركزي، كما أن وزارة المالية ألزمت الصناديق والحسابات الخاصة بتوريد 15% من إيراداتها الشهرية لحساب الخزانة الموحدة بالبنك المركزي، وفى حالة عدم التزام الجهات بالتوريد يُرخص لوزارة المالية (قطاع التمويل) بخصم هذه النسبة من حساباتها، وهو ما سيساهم بالتأكيد في الحد من الفساد، حيث ستكون الدولة على دراية جيدة بأرصدة كل شركة وهيئة وعلى دراية أيضًا بكل ما هو متعلق بهذه الأموال مثل المصروفات والرواتب وإلى أخره.
وأطالب بأن تكون الخطوة التالية هي استخدام "الدفع الإلكتروني" لكافة تعاملات الموظفين الحكوميين المالية، مثل، الرواتب والحوافز" بمعنى أن يتم تحويلها على حسابات كل الموظفين في البنوك ويتم الاستغناء عن تداول الأموال وكذلك الشيكات المكتوبة لحاملها، فبذلك سنستطيع السيطرة على الدخل بحيث سنكون على دراية بالدخل الحقيقي للموظف ومشتقاته سواء حوافز أو بدلات أو علاوات.
وبالتأكيد نحن قادرون على محاربة الفساد والقضاء عليه نهائيًا مثل دول عديدة حاربت وواجهت الفساد بقوة، ولعلنا بذلك ننتقل إلى المحور الثالث وهو نماذج دولية في محاربة الفساد، فمثلًا نجحت "نيجيريا" في محاربة الفساد بجدية بعد أن كانت تصنف كثاني أكبر دولة في تفشي الفساد، وقد عملت على محاربة الفساد والقضاء عليه خلال العام الماضي، حيث أطلقت الحكومة "النظام الموحد للمعلومات الشخصية والمالية" للموظفين؛ لربط المرتبات بالبيانات الشخصية بحساب بنكي واحد للموظف، وقامت بعمل مراجعة عاجلة فاكتشفت وجود ٢٤ ألف وظيفة وهمية!، واستطاعت الحكومة من وراء ذلك توفير ١١.٥ مليون دولار!، كما تم تشكيل لجنة من أكاديميين لمراجعة عمل مؤسسات مكافحة الفساد، بالإضافة إلى وضع مشروع قانون لحماية الشهود والمبلغين عن قضايا الفساد.
كما عملت "نيجيريا" على تحويل عشرات المسئولين للمحاكمات، منهم وزير دفاع أسبق، ورئيس مفوضية الجرائم المالية والاقتصادية، ورئيس الشركة الوطنية للنفط، كما بدأت في يناير الماضي التحقيق مع ٥٥ شخصًا، اختلسوا ٦.٨ مليار دولار عبر ٧ سنوات، منهم ٤ وزراء سابقين وحكام ولايات ورجال بنوك وشركات، وقد تم القبض عليهم بسبب وجود عجز ٢ مليار دولار.
ولدينا مثال أخر وهو "سنغافورة" والتي كانت من أكثر الدول فسادًا، وأصبحت الآن الدولة الأقل فسادًا في آسيا، ففي الستينات وجد "لي كوان يو"- رئيس وزراء حكومة سنغافورة وقتئذ- إن هناك سببين رئيسيين للفساد أولهما: عدم عقاب مرتكبي الفساد، وثانيهما :توافر الفرص أمام الموظفين للفساد، ومن هنا بدأ رئيس الوزراء في إنشاء "مكتب التحقيقات في ممارسات الفساد" ليكون تابع مباشرة لمكتبه، واستطاعت "سنغافورة" مع سياسة الرقابة والشفافية وتطبيق دولة القانون أن تنتقل من تصنيفها في الستينيات كواحدة من أسوأ الدول في الفساد، إلى واحدة من أقل دول العالم فسادًا، وذلك بناءًا على تصنيف منظمة الشفافية الدولية، كما تم تصنيفها بأنها الدولة الأنظف والأكثر خلواً من الفساد في آسيا” من قبل مؤسسة الدراسات الإستشارية عن المخاطر السياسية والإقتصادية عام 1996.

والآن، فلنفكر بجدية كيف نساند دولتنا في حربها على الفساد وكيف نناصر خطواتها الصارمة التي تنتهجها للقضاء والحد من الفساد؟! وختام رسالتي: "أتمنى أن نتحلى بالشفافية والموضوعية في معالجتنا لكافة ما نتابعه من أحداث وألا نستعجل الأمور ونستبقها بتأويلات ليس لها علاقة بالصحة، فعلينا أن نتعود على تناول موضوعتنا بمهنية بعد قراءتها قراءة مستفيضة ومتعمقة".

الموضوع نُشر في موقع محيط بتاريخ 24 سبتمبر 2016

الرابط :

http://www.moheet.com/details_article/2016/09/24/2477953

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق