يا شبابنا كفاكم إنسياقًا

"لا تتبع القطيع فأنت لا تعرف إلى أين يذهبون بك".. حكمة ظللنا نقرأها لسنواتٍ وسنوات دون أن نستشعر أننا بحاجة إلى تطبيقها حتى بتنا أمام بائعيّ الهدم والخراب لهذا الوطن الحبيب، فمنذ أن قام جيشنا العظيم بتلبية نداء الشعب واستغاثاته من حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وأزاح عنا حكم جماعة أقل ما يمكن أن توصف به أنها جماعة إرهابية هدّامة تسعى إلى خراب كل جميل حولها، وهو ما لمسناه عن قرب في سنوات ما بعد عزلهم، أصبحنا نواجه وحشًا إرهابيًا كاسرًا، يستبيح دماء جنودنا وأبنائنا، يعيثون في الأرض فسادًا، يستميل عقول شبابنا الذين ينقادون خلفهم دون أي وعي لخطورتهم وللشر الذي يكنونه في صدورهم تجاه كل مصري، حتى أصبح لدينا فئة من الشباب باتت تستجيب لشفراتهم ودعواتهم للتظاهر، حتى أن بعض هؤلاء الشباب ارتادوا نفس نظارات السلبية وفقدان الأمل والسعي للخراب.

ولعلنا الآن أمام أكثر من واقعة تجعلنا نقف للحظات ونفكر، لماذا أصبح بعض شبابنا هكذا؟!، لماذا ينساقون إلى أي دعوات للتظاهر دون فهم ووعي وإدراك؟!، هل أنهم في مثل أعمارهم تلك لا يملكون عقلًا يفكر تفكيرًا منطقيًا فيما يحدث؟!، لماذا أصبحوا بمثل هذه السلبية؟! ففي الحقيقة، أنا حزينة جدًا حالي حال الكثيرين المحبين لوطنهم الذين يعز عليهم أن يروا هؤلاء الشباب في هذه الحال من إنعدام الأمل والتخبط الأعمى.

ودعني عزيزي القارئ أرصد معك الوقائع، التي أصابتنا خلال الفترات الأخيرة بحالة من الصدمة والاستنكار لما آل إليه الوضع الآن، فأولًا، وجدنا جماعة الإخوان الإرهابية تطلق دعوات للتظاهر خلال يوم 25 أبريل الذي يتزامن مع احتفالنا بذكرى تحرير سيناء، رفضًا لما أسموه "تنازل" السلطات عن جزيرتيّ "تيران"، و"صنافير"، بموجب اتفاق وقعته الحكومة مع السعودية!، وأنا هنا لم ولن أخاطب هذه الجماعة، بل سأتوجه إلى هؤلاء الشباب الذين ينساقون خلف هذه الدعوات دون أي فهم؟، فهل قرأتم التاريخ بتمعن قبل أن تلقون بتهم الخيانة وبيع الأرض جزافًا على إناسٍ هم بعيدون كل البعد عن هذه التهم؟! دعوني أقرأ عليكم بعض أسطر التاريخ إذًا، فهلا استمعتم؟

ذكر الكاتب الصحفي الراحل/ محمد حسنين هيكل، في كتابه "سنوات الغليان" الصادر عام 1988: "جزر صنافير وتيران التي كانت تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية في الخليج، هي جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض".

وقالت إبنة الزعيم الراحل/جمال عبد الناصر، الدكتورة/ منى جمال عبد الناصر، الدكتورة في العلوم السياسية: "لقد عثرت بالصدفة المحضة على وثيقة لوزارة الخارجية بتاريخ 20 مايو 1967، قبل إغلاق خليج العقبة بيومين، مرسلة من إدارة شؤون فلسطين في وزارة الخارجية إلى الرئيس/ عبد الناصر بشأن الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، والتي بناءًا عليها قرر عبد الناصر غلق مضيق العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية في 22 مايو 1967، ونصت الوثيقة على: "لن يكون لإسرائيل وجود في خليج العقبة عند توقيع اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية في 24 فبراير 1949، لحين إخلاء القوات الأردنية منطقة بير قطار ومنطقة أم الرشاش والتي احتلتها القوات الإسرائيلية وأنشأت ميناء إيلات، وبعدها اتفقت الحكومة المصرية مع السعودية على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتي تيران وصنافير، وهما الجزيرتان المتحكمتان في مدخل خليج العقبة".

ما رأيكم إذًا أيها الشباب الذين قمتم بإثارة اللغط والجدل حول قرار الحكومة المصرية بتبعية هذه الجزر للسعودية؟!، نأتي إلى اعتراضكم على التوقيت، فقد سمعتكم تتسائلون عن سر القيام بهذه الخطوة الآن تحديدًا، فالحكاية يا شباب أن السعودية طالما طالبت بذلك مرارًا وتكرارًا، ولما تزامن الاتفاق على مشروع جسر الملك سلمان بين مصر والسعودية خلال زيارة ملك السعودية لمصر خلال أبريل الحالي؛ وهو مشروع له أبعاد استراتيجية كبرى. فمن هنا وجب تعيين الحدود البحرية بين البلدين في خليج العقبة وإعادة الجزيرتين إلى السعودية بإعتبارهما داخل الحدود البحرية السعودية، كما أن "تيران وصنافير" كانت طبقًا لمعاهدة السلام تقع في منطقة (ج) بمعاهدة السلام، ومن هنا فإنها تتبع القوات متعددة الجنسيات التي من شأنها حفظ السلام فقط، وليس تأمين الحدود، ولكننا الآن بوجود الجيش المصري بها، أصبح هناك حماية أكبر وأشمل مما سبق خاصةً بوجود أعداء إرهابيين قريبين منها مثل "داعش"، ومن هنا فإن هذه الاتفاقية لها بُعد استراتيجي وعسكري في آن واحد.

ولعل ما آثار حزننا واستنكارنا أن يتم توجيه تهم الخيانة وبيع الأراضي لشخص مثل الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي حارب من أجل وطنه منذ دخوله للجيش، الرجل الذي وقف في وجه جماعة إرهابية ووضع حياته على كفه واستجاب لنداء الملايين خلال خروجهم بثورة 30 يونيو.

ولعل موضوع الجزيرتين وما تبعه من تعليقات سخيفة من قِبل البعض، جعل البعض يستهجن ويسخر من زيارات بعض الدول الكبرى لمصر خلال الفترة الأخيرة، مثل، زيارة الرئيس/ فرانسوا هولاند- رئيس فرنسا، هذه الزيارة التي خرجت بعدد من الاتفاقيات الهامة في مجالات مختلفة، وهي، اتفاقية إعلان النوايا بين وزارتيّ الدفاع الفرنسية والمصرية بشأن التعاون فى مجال الفضاء، واتفاقية منحة لتوصيل الغاز للمنازل بمبلغ 68 مليون يورو مقدمة من الاتحاد الأوروبي، واتفاقية تسهيل ائتماني مبسط لتمويل إنشاء مركز تحكم إقليمي بمنطقة الدلتا بمبلغ 50 مليون يورو، بجانب اتفاق آخر لإعلان مشترك بشأن مشروع توسيع محطة معالجة مياه الصرف الصحي بشرق محافظة الإسكندرية بمبلغ 60 مليار يورو، وإعلان مشترك آخر بشأن محطة الرياح بخليج السويس بقدرة 200 ميجاوات بمبلغ 50 مليون يورو.

كما تم توقيع إعلانًا مشتركًا بشأن إعادة تأهيل ترام رمسيس هليوبوليس بقرض بمبلغ 80 مليون يورو، واتفاقية في توليد ونقل الكهرباء وكفاءة الطاقة، وكذلك إعلان مشترك لتطوير الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تعاون لإنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 40 ميجا وات بمحافظة جنوب سيناء، وغيرها من الاتفاقيات على المستوى الثقافي والاجتماعي.

بالإضافة إلى زيارة ملك البحرين لمصر خلال اليومين الماضيين، والتي هدفت إلى تعزيز أوجه التعاون والتجارة والاستثمار بين البلدين، والحقيقة إن في الوقت الذي يقوم به الرئيس السيسي بتعزيز علاقتنا الخارجية مع الدول العربية والأجنبية، نجد بعض الأشخاص يقوموا بتوجيه أسهم السخرية والاستهجان على هذه الزيارات، ولكن دعوني أؤكد لكم أن من يخسر في هذه الحالة هو الهدّامين أنفسهم، لأنهم بذلك يزودون من نفور وبُعد الشعب عنهم.


وختام القول، أريد أن أوجه رسالةً إلى شبابنا: "كفاكم انسياقًا واتباعًا دون دراسةٍ أو تفكيرٍ، التظاهر بالتأكيد حق مكفول لكم، ولكن وفقًا للأطر القانونية الموضوعة، وطالما أن هذه التظاهرات تعكس مشكلات حقيقية تواجه المجتمع، وطالما أن المتظاهرين يسعون من خلالها إلى مصلحة الدولة والبناء وليس الهدم، وطالما أنهم ينظرون إلى هذه التظاهرات على أنها من البدائل التي يمكن الاحتكام إليها لرفع مطالبهم المشروعة، ولكن يا شبابنا كونوا عقلاء وأمناء على وطنكم، وكونوا بنائين لمصر وليس هدّامين لها، وإياكم أن تأخذوا التظاهر وسيلة لاستعداء الغرب على وطنكم الحبيب، أفيقوا وابنوا مصر؛ فأنتم الأمل في المستقبل، قفوا صفًا واحدًا بجانب بلدكم التي تحتاج إليكم أكثر من أي وقت مضى".

الموضوع منشور في الجمهورية أونلاين بتاريخ 29 أبريل 2016 على موقع الجمهورية أونلاين 


رابط الموضوع:

http://www.gomhuriaonline.com/main.asp?v_article_id=363625#.VyM8FkhZ9e4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق