لكم دينكم .. ولي دين

       
دعونا نفكر سوياً ونطرح على أنفسنا عدة تساؤلات .. هل أصبحنا في حاجة إلى إصدار وتشكيل القوانين لتنظيم سبل معاملاتنا الحياتية وعلاقتنا الإنسانية؟! أم في حاجة إلى إصدار القوانين لتنظيم علاقة الإنسان العقائدية وإقامة الشعائر الدينية؟! أم إصدار قانون ثقافة قبول الأخر ونشر التسامح؟! هذه عدة تساؤلات ينبغي على الكل أن يفكر في إجاباتها حتى يتعلم الناس جميعًا كيف يقبلون الآخر في الأديان وفي كل مناحي الحياة.

ماذا حدث لكم يا شعب مصر الكرام؟! ؛ لِمَ كل هذه الأحداث من وقت لآخر من اندلاع فتن طائفية وأحداث عنف وانقسامات في وحدة الوطن على الرغم من وجود قانون إنساني سمائي للتعايش السلمي وقبول الأخر والتسامح، فهناك أمثلة إيجابية كثيرة في حياة البشرية تعكس مدى التسامح الذي كنا نعيشه في العصور السابقة ، ولعل أعزها على قلوب الجميع ما فعله ملك الحبشة "النجاشي أصحمة بن أبجر" عند لجوء المسلمون الأوائل إلى بلاده، فوفر لهم الحماية والأمان ولم يتدخل في شعائرهم الدينية.

وقد برز مشهد تاريخي أخر يرمز إلى التسامح الديني عبَّر عنه قائد الفتح /عمرو بن العاص عندما فتح أرض مصر وخيّر أهلها بين دخول الإسلام أو البقاء على دينهم، فأطلق الحرية الدينية للأقباط، ورفع الاضطهاد عنهم وأمر بعدم تحميلهم ما لا يطيقون، ليس هذا فقط بل كتب بيده عهداً للأقباط بحماية كنائسهم.


فجميع هذه المواقف ترسم رؤى إنسانية مبنية على التسامح واحترام حقوق أصحاب العقائد الدينية المختلفة بعيدة عن التعصب المقيت ونبذ الآخر، وهذا يوضح عظمة الإسلام ومدى عدله وإنصافه في معاملة الآخر وإن كان مخالفاً في العقيدة والدين.

هكذا كان حال المصريين من مختلف العقائد كانوا نسيجا واحدا في ثوب الوطن ودائما الهلال مع الصليب، ولكن مؤخرًا وجدنا أن الأحوال تتدهور بسرعة وتثير فرص اندلاع الفتن الطائفية والتعصب الديني دون أي مبرر سوى هدم وحدة الوطن وتعطيل خطط التنمية.

ففؤجئت بتظاهرات الأهالي في قرية البيضاء بالعامرية بمحافظة الإسكندرية، ضد ما قام به مجموعة من الأقباط من إقامة شعائرهم الدينية في منزل أحدهم وتصور البعض بأنه تحول إلى كنيسة، وهو ما أثار غضب البعض من الأهالي فهم لا يقبلون ببناء كنيسة في قريتهم! وقاموا بعمل تظاهرات وأحداث عنف على مبنى الخدمات في كنيسة العذراء والملاك ميخائيل، وكسروا سيارة القس راعى الكنيسة، وتم القبض على مجموعة من هؤلاء الأهالي وتوجيه اتهامات لهم بتهمة بناء مبنى بدون ترخيص داخل القرية لممارسة الشعائر الدينية بدون تصريح، على الرغم من أن المبنى قائم منذ عام 2009، وتم الصلاة فيه عدة مرات، وأن القرية ليس بها تراخيص فهي قرية عشوائية ولا يوجد بها قانون بناء وأنهم يصلون فيه لأنهم ليس لديهم كنيسة تخدمهم ويعانون من الانتقالات لمسافات بعيده لإقامه الصلاة.

ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها في العامرية بل سبقتها عدة حوادث، ففي عهد النظام السابق، شهدت قرية شربات التابعة لمركز العامرية أحداثًا طائفية أيضاً، وتعرضت منازل وممتلكات بعض المسيحيين للحرق. وكان ذلك بسبب نشر شاب مسيحي لصور تجمعه مع فتاة مسلمة، وقاموا وقتها بعقد اجتماعات عرفية، وقضوا بتهجير 8 أسر مسيحية من القرية.

وكلنا لم نستطع أيضاً نسيان حكم محكمة جنح أحداث بني مزار، بالحبس لثلاثة طلاب أقباط خمس سنوات، وإيداع المتهم الرابع بمؤسسة عقابية لصغر سنه في قضية "أطفال المنيا" بتهمة إزدراء الأديان، وتهجير المدرس القبطي هو وأسرته من القرية وعدم عودتهم مرة أخرى، بسبب تصوير مقطع تمثيلي ساخر يتهكم على بعض ممارسات لجماعة داعش في بلاد العراق والشام، لتشهد القرية وقتها اعتداءات طائفية على ممتلكات بعض الأقباط ومحاولة لاقتحام كنيسة القرية لعدة أيام متتالية.

وأيضا في واقعة أخرى كادت أن تحول مدينة أبو قرقاص بمحافظة المنيا لحمامات دم، وتشعل فتنة طائفية لا تحمد عقباها في مصر، وهي "أحداث الفتنة الطائفية بقرية الكرم" نتيجة إشاعة روجها أقارب زوج إحدى السيدات المسلمات بأنها على علاقة بشريكه المسيحي عندما طلبت الطلاق من زوجها بسبب خلافات بينهما، فقام عدد من المواطنين بالتجمهر أمام منزل الشاب القبطي، وإلقاء زجاجات المولوتوف عليه، وإحراق 3 منازل مجاورة، وامتداد النيران لثلاثة منازل أخرى، بل أيضا قاموا بتجريد وتعذيب وسحل "أم الشاب" السيدة القبطية المسنة من ثيابها، مشهرين بها أمام حشد كبير في الشارع فاقدين بذلك لأي نوع من أنواع الرحمة أو الانسانية.

ويا ليت هناك اتساعًا من الوقت والمساحة لسرد العديد من أمثال هذه الأحداث التي نشبت في الآونة الأخيرة ، ولكن ما أريد قوله بصفتي مواطنة مصرية أيًا كانت ديانتي أننا في حاجة ماسة إلى تفعيل ما نص عليه الدستور المصري بحرية العبادة، وضرورة بناء دور العبادة دون وضع قيود وعقبات صارمة، ولابد من مواجهة الاعتداءات بمنتهى الحسم والقوة والسرعة ، فالتراخي في محاسبة المجرمين المسؤولين عن هذه الاعتداءات والحلول العرفية والبطء في إجراءات المحاكمة لهؤلاء الجناة، كما حدث في واقعة المنيا، يفتح المجال لتكرار هذه الاعتداءات الطائفية.

كما آرى أنه لابد من التعامل مع هذه الاعتداءات كجرائم إرهابية تهدد الأمن القومي ويحاكم مرتكبوها أمام المحاكم العسكرية، كما أنه لابد من محاسبة أي مسؤول تنفيذي يتراخى في تفعيل القانون لمواجهة هذه الاعتداءات أو يثبت تقصيره في اتخاذ الإجراءات اللازمة لردع مرتكبيها عند بداية نشوبها، فنحن حقاً في حاجة إلى تحقيق المساواة بيننا في الحقوق والواجبات دون تمييز.


أجد نفسي في النهاية حزينة ومصدومة على ما وصل له حال الشعب المصري ، الشعب المعروف عنه بالأصالة والتسامح وتقبل الأخر، الشعب المعروف عنه بالتعاطف مع الفقير قبل الغني ، مع الصغير قبل الكبير مع كل الأطياف العقائدية، فطوال عمرنا نعيش مسلمين ومسيحين في حي واحد وعمارة واحدة ، ومدراس واحدة ، وعندما يقع أي طرف منا في آزمه أو مشكلة يسرع الآخر لحلها دون تفكير في عقيدة أو دين ، فعمرنا ما شعرنا بالتعصب الديني ولا الفتن ولا الأفعال الهدامة إلا مؤخراً ، لماذا لا نجعل تعاملاتنا مع بعض في أمور حياتنا فقط ونترك أمر الدين لله وحده سبحانه وتعالى كما أمرنا " لـكـم ديـنـكـم ولــي ديــــــن".

الموضوع منشور في الجمهورية أونلاين بتاريخ 21 يونيو 2016
الرابط:

http://www.gomhuriaonline.com/main.asp?v_article_id=377466#.V2mFKfl97IX 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق